عضوية الاتحاد الأوروبي ساهمت في النمو الاقتصادي للنمسا في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة

حققت النمسا في العقود الأخيرة فوائد كبيرة من خلال عضويتها في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تواجه حالياً تحديات مقارنة ببقية الدول الأعضاء، وذلك بسبب جائحة كورونا وأزمة أسعار الطاقة.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، وفقاً للاقتصادي هارالد أوبرهوفر من معهد Wifo وأستاذ في جامعة WU في فيينا، تعتبر عضوية النمسا في الاتحاد الأوروبي قصة نجاح اقتصادي، خاصة في بداية الأمر ومنذ عام 2004، حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي نمواً قوياً، ومع ذلك، منذ عام 2019، تدهورت الصورة مقارنة ببعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ويعود السبب في ذلك إلى تأثيرات الجائحة وأزمة أسعار الطاقة، إذ قال أوبرهوفر: “لقد تأثرنا بشكل أسوأ من دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بسبب الجائحة وأزمة الطاقة”، مشيراً إلى أن هذا الأمر يتعلق أكثر بالسياسة الوطنية النمساوية ولا علاقة له بعضوية الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر.

وأشار أوبرهوفر إلى أن الناتج المحلي الإجمالي هو “أصعب المؤشرات” لقياس تأثير عضوية الاتحاد الأوروبي على النجاح الاقتصادي، لأنه يشمل جميع التأثيرات التي قد لا تكون مرتبطة بالاتحاد. وأضاف أنه بالنظر إلى كون النمسا اقتصاداً صغيراً ومنفتحاً، فإنها ستكون “غير ذات أهمية” على الصعيد العالمي إذا لم تكن جزءاً من الاتحاد الأوروبي. وبهذا الشكل، يمكن للنمسا من خلال الاتحاد الأوروبي تعزيز مصالحها الاقتصادية على الساحة العالمية، وهو ما ينطبق أيضاً على دول أكبر مثل ألمانيا.

وأضاف أوبرهوفر أن “أكبر ميزة للنمسا هي السوق الداخلية” في الاتحاد الأوروبي، حيث يؤدي ذلك إلى زيادة التنافسية، وتحسين المنتجات، وتوفير خيارات أكبر للمستهلكين بأسعار أقل. وأكد أن الشكاوى المتعلقة بالبيروقراطية في الاتحاد الأوروبي لا تتعلق بالمعايير المشتركة، التي تُعتبر أساسية لتجنب إنتاج نسخ مختلفة من نفس المنتجات لكل دولة، كما كان يحدث في السابق مع إضاءة خاصة للسيارات المباعة في السويد.

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي لديه مساحة محدودة للعمل، حيث أن ميزانيته تمثل فقط 1% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء. ولذلك، يحتاج الاتحاد إلى تنظيم الاقتصاد، وهو ما قد يؤدي إلى تدابير مفرطة في بعض الأحيان. وأوضح أوبرهوفر أن قانون سلسلة التوريد، الذي يتطلب جمع بيانات من جميع الموردين على مستوى العالم، قد يكون مثالاً على هذا التنظيم الزائد، وأعرب عن تشككه في تحقيقه للهدف المنشود، محذراً من أن ذلك قد يؤثر سلباً على القدرة التنافسية للاقتصاد النمساوي.

وحث أوبرهوفر السياسيين الذين ينتقدون هذه القوانين الأوروبية على التذكر بأن النمسا تتمتع بحقوق كاملة في المشاركة في اتخاذ القرارات داخل المؤسسات الأوروبية، حيث يمكن للتمثيل النمساوي التأثير بشكل أكبر بدلاً من اتخاذ قرارات على مستوى الاتحاد الأوروبي ثم التراجع عنها بعد ذلك. وأضاف أن هذا يمثل مشكلة أساسية في العلاقة بين الدولة الوطنية والاتحاد الأوروبي.

وأكد أوبرهوفر أنه “بالطبع” أصبحت النمسا أكثر ابتكاراً بسبب التنافس في السوق الداخلية، حيث يمكنها البقاء قادرة على المنافسة من خلال الابتكار، والبحث، والتطوير، والمنتجات عالية التقنية، والتخصصات التي تجعلها “أفضل من باقي العالم”.

وتواجه النمسا تحديات كبيرة على المستوى الأوروبي، بما في ذلك التكيف مع التقنيات الجديدة، والتعامل مع التحولات الديموغرافية، وقال أوبرهوفر إنه يجب على الاتحاد الأوروبي استغلال إمكانياته وتنفيذ سياسة تنافسية طموحة لضمان الرفاهية، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي الذي تأسس من 15 دولة متشابهة يحتاج إلى تعديل قوانينه لتتناسب مع الاتحاد المتنوع الذي يضم حالياً عدد أكبر من الدول، كما اقترح ضرورة الحديث عن توزيع الصلاحيات بين الاتحاد والدول الوطنية، مع التركيز على مشروعات مشتركة مثل توسيع شبكة السكك الحديدية والقتال من أجل إزالة الكربون، لكن ذلك يتطلب ميزانية مناسبة.

وفي هذا السياق، حذر أوبرهوفر من أن تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول الوطنية قد يتطلب التخلي عن بعض عناصر السيادة الوطنية، وهو أمر يصعب مناقشته في أوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى