فيينا تبحث إنشاء مؤسسات مغلقة لاحتواء القُصّر الجانحين وسط جدل قانوني ومجتمعي

دعت شخصيات مختصة في الشأن القانوني والاجتماعي في العاصمة النمساوية فيينا إلى سنّ تشريعات جديدة وتنظيمات أكثر صرامة للتعامل مع تزايد معدلات الجريمة في أوساط القاصرين، مشددين على ضرورة إقرار إطار قانوني يسمح باحتجاز الأطفال الذين يرتكبون جرائم متكررة ضمن مؤسسات “شبيهة بالسجون”، دون أن تكون سجونًا بالمعنى التقليدي.

جاء ذلك في خضم نقاش عام أطلقته تقارير عن تصاعد الجريمة بين الشباب في فيينا، وتزامن مع اقتراح تعديل تشريعي يتيح احتجاز الأطفال الجانحين في مرافق مغلقة، وهو اقتراح أثار ردود فعل متباينة بين الخبراء.

الحاجة إلى إطار قانوني للاحتواء دون اللجوء إلى السجن

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، صرّحت القاضية السابقة بيآته ماتشنِغ (Beate Matschnig)، والتي تُدرّس حاليًا في معهد القانون الجنائي وعلم الإجرام بجامعة فيينا، بأنها تعارض وضع الأطفال في السجون، لكنها شددت على ضرورة وجود “إمكانية لإيقافهم ولو لفترة قصيرة، حتى يتسنى بناء علاقة معهم”.
وأشارت ماتشنِغ إلى نماذج إيجابية من دول اسكندنافية، حيث يتم احتواء الأطفال الجانحين داخل مؤسسات اجتماعية تربوية مغلقة تسمح بالتدخل المنهجي وتقديم الدعم النفسي والتربوي.

تنظيمات جديدة في مراكز السكن الجماعي

من جانبها، تحدثت مانويلا سميرتنِك (Manuela Smertnik)، المديرة التنفيذية لمراكز شباب فيينا (Wiener Jugendzentren)، عن الانفتاح على أفكار جديدة في كيفية التعامل مع الأطفال الجانحين ضمن مساكن جماعية تحت الإشراف التربوي، مؤكدة:
“ما لا يمكن القبول به هو أن يأتي هؤلاء الشباب ويغادروا كما يشاؤون”.
وأكدت أنه ليس من الضروري “إغلاق الأبواب عليهم”، ولكن يجب إرساء قواعد تنظيمية واضحة لضبط هذه المساكن.

جذور الجنوح: العنف والنزوح والاضطراب النفسي

طرحت كذلك إنغريد بوشمان (Ingrid Pöschmann)، المتحدثة باسم خدمة رعاية الأطفال والشباب في فيينا (MA 11)، تساؤلاً بشأن أسباب تفشي الجريمة في أوساط الأطفال.
وأوضحت أن العديد من هؤلاء القاصرين يأتون من عائلات تعاني من العنف الأسري، أو عاشوا تجارب اللجوء والصدمات النفسية، مشيرة إلى أن هؤلاء الأطفال غالبًا ما يكونون “منزوعي الجذور، عديمي التوجيه، ومن دون بنية حياتية مستقرة“.

وفي حالة توقيف الطفل بسبب جريمة، يتم تحويله إلى مركز أزمات تابع لخدمة MA 11، حيث يتم اتباع نهج اجتماعي تربوي يهدف إلى بناء علاقة ثقة بين الطفل وفريق العمل.
لكن بوشمان نبهت إلى أن هذا العمل لا يكفي وحده، وقالت:
“نحن بحاجة إلى تعديل في القانون الاتحادي يسمح بإنشاء مؤسسات مغلقة”، مضيفة أن هذه الخطوة ستكون الأساس الذي يمكن من خلاله تطوير مفاهيم تربوية متكاملة قادرة على الوصول إلى هؤلاء الأطفال.

مقاربة متعددة التخصصات تتطلب تمويلاً ودعماً

وأكدت بوشمان أن إنشاء مثل هذه المؤسسات لا يكفي أن يتم بإجراءات معزولة، بل يتطلب تصورًا شاملاً متعدد التخصصات (multiprofessionell)، بمشاركة جهات مثل شرطة فيينا، إدارة التعليم، وخدمات الطب النفسي للأطفال والمراهقين.
كما شددت على ضرورة توفير التمويل اللازم، وزيادة عدد الكوادر، ودمج المعالجين النفسيين ضمن طواقم العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى