فيينا تطلق مشروعاً تجريبياً للتعليم الديني المشترك بين مختلف الأديان
فيينا – INFOGRAT:
نفذت أربع مدارس إلزامية في فيينا مشروعاً تجريبياً فريداً يحمل عنوان «diaRU — dialogisch-interreligiöser authentischer Religionsunterricht»، وهو عبارة عن تعليم ديني مشترك بين طلاب من ديانات مختلفة، حيث يشارك في التدريس معلمون ينتمون إلى ديانات متعددة داخل الفصل الواحد.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، جاء في بيان صادر عن مكتب التعليم التابع لأبرشية فيينا يوم الأربعاء أن الهدف من المشروع هو إتاحة فرص للحوار بين وجهات نظر دينية وفلسفية متنوعة، مع التركيز على التبادل والتقارب عندما يتناول الطلاب في هذه الحصص المشتركة موضوعات الإيمان وقضايا الحياة. وقد تم تنفيذ هذه الحصص مرة واحدة في الفصل الدراسي، وتم تطبيق هذا النموذج عمليا للمرة الأولى خلال العام الدراسي المنصرم، حيث أظهرت النتائج الأولية إيجابية.
شمل المشروع ثلاث مدارس ابتدائية ومركزاً تعليمياً خاصاً، حيث تم دمج طلاب كاثوليك وأرثوذكس مع زملائهم المسلمين في نفس الصفوف. وقد أُعد المفهوم التعليمي من قبل المفتشين المختصين من خمس جماعات دينية بالتعاون مع جامعة التأهيل الدينية في فيينا والنمسا السفلى (KPH Wien/Niederösterreich).
وشارك في هذا المشروع إلى جانب مكتب التعليم الكاثوليكي، كل من مكتب التعليم البروتستانتي، ومكتب التعليم الأرثوذكسي، ومكتب التعليم التابع للهيئة الإسلامية في النمسا، بالإضافة إلى مكتب التعليم للجالية العلوية (Alevitische Glaubensgemeinschaft) في النمسا.
وفي إطار خطة التوسع، أعلنت أبرشية فيينا أن المشروع سيشمل المدارس الثانوية في العام الدراسي القادم، حيث سيتم تطبيق «diaRU» في مدرستين ابتدائيتين في فيينا إلى جانب مدرستين ثانويتين. في المدارس الابتدائية، سيتم تدريس الطلاب الكاثوليك والمسلمين معاً، أما في المدارس الثانوية فسيتم دمج الطلاب البروتستانت والمسلمين في حصص مشتركة.
يرافق المشروع من الناحية العلمية الجامعة البيداغوجية الكنسية في فيينا والنمسا السفلى (KPH)، التي تقود تطوير مواد تعليمية مخصصة. ويتكامل البحث وجمع البيانات بشكل ديناميكي مع الممارسة التعليمية وتطوير المواد، ما يضمن متابعة دقيقة لتطبيق المشروع داخل الفصول الدراسية.
يعتمد فريق الباحثين منهجية تشاركية تأخذ بعين الاعتبار آراء الطلاب والمعلمين المشاركين. وتشير التقييمات الأولية إلى استقبال إيجابي للمشروع، حيث أعرب الطلاب عن «فرح كبير» بالحصص المشتركة، وأبدوا ارتياحهم لتبادل الآراء حول مواضيع تهمهم، والتعرف على بعضهم البعض من زوايا نادراً ما تظهر في التعليم التقليدي. كما كانت ملاحظات المعلمين إيجابية بالكامل.
ووصفت أندريا بينز (Andrea Pinz)، رئيسة مكتب التعليم التابع لأبرشية فيينا، التعليم الديني بأنه «أكثر من مجرد نقل معلومات»، موضحةً أن التعليم الديني الطائفي يساهم بشكل أساسي في تشكيل قيم الأطفال والشباب، كما أنه مكان للتلاقح والحوار. وأضافت أن المجتمع المتعدد الأديان يحتاج إلى نماذج تعليمية تكاملية تبني جسور التفاهم بين الفئات المختلفة.
وأكدت بينز أن نماذج التعاون مثل «diaRU» تُظهر كيف يمكن للتعليم الديني أن يتطور بشكل يواكب المستقبل، حيث تعد المدارس الأطفال للمشاركة في مجتمع متنوع دينياً وإثنياً واجتماعياً وثقافياً، مع العمل على تنشئتهم كأشخاص محترمين وحوارين، يتحملون المسؤولية ويتعلمون التضامن.
كما عبّر المطران البروتستانتي ومدير مكتب التعليم في فيينا، ماتسياس جيست (Matthias Geist)، عن دعم قوي للمشروع، مشيراً إلى أن «فكرة الأمل هي الرابط الذي يجمع الأديان معاً»، وأن «الأمل والثقة ضروريان لكل فرد ولكل مجتمع»، مشدداً على أن التعليم الديني يعزز هذه القيم يومياً، لا سيما في هذا المشروع التفاعلي بين الأديان.
ووصف جيست هذا المشروع كفرصة خاصة للمجموعات الدينية الأقلية، مثل الكنيسة البروتستانتية، لبناء جسور واحترام متبادل والعمل معاً لتقديم مبادرات ذات معنى.
من جانبه، أكد برانيسلاف ديوكاريتش (Branislav Djukaric)، المفتش ونائب مدير مكتب التعليم الأرثوذكسي، أن التعاون هو ركيزة أساسية للتعايش الاجتماعي، وأن ذلك يمثل مسؤولية كل جماعة دينية. وقال إنهم كأرثوذكس يرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، ويتحملون مهمة تعزيز المصالح المشتركة مع احترام الهوية الدينية لكل مجموعة.
بدورها، أعربت كارلا أمينة بغجاتي (Carla Amina Baghajati)، رئيسة مكتب التعليم التابع للجالية الإسلامية في النمسا، عن ارتياحها لهذا المشروع، موضحة أن العمل المشترك على قضايا إنسانية أساسية في التعليم الديني يحظى بقبول واسع لدى الشباب. وأضافت أن الحوار والتفكير في موضوعات كبيرة مثل «الزمن والمكان» أو «العدالة والمسؤولية» في ضوء الخلفيات الدينية يعزز شخصية الطالب ويجعله منفتحاً على الآخر، كما يبرز ثراء التنوع الديني ويقوي النظرة إلى المشترك بين الجميع.
وأشارت بورجو دمير (Burcu Demir)، المفتشة المختصة بالتعليم العلوي، إلى أهمية مشاركة طلاب التعليم العلوي في مثل هذه المشاريع الواسعة والموجهة، التي تسمح لهم بتطوير وجهات نظرهم الخاصة، والتعمق في قضايا إيمانهم، والتعرف على وجهات نظر المذاهب الأخرى من خلال الحوار والاحترام المتبادل، بمساعدة معلميهم.



