كيف تُخرس الصين معارضيها في النمسا؟ تحقيق استقصائي يكشف آليات القمع العابرة للحدود
فيينا – INFOGRAT:
كشفت تحقيقات صحفية حديثة كيف قمعت جمهورية الصين الشعبية معارضيها في النمسا، من خلال استهداف مجتمعات التيبتيين والإيغور والتايوانيين وغيرهم ممن تعتبرهم “أعداء النظام”، مستخدمة أساليب المراقبة، والتهديد، والترهيب، وحتى الضغط الدبلوماسي على السياسيين النمساويين.
وبحسب صحيفة derstandard النمساوية، صرّح Tashi Lobsang، وهو طباخ يعيش في مدينة Linz، بأنه كان سيقوم بالكثير من أجل وطنه، التبت، لولا الخوف من تعرض عائلته للانتقام، Lobsang فرّ من التبت التي تحتلها الصين إلى الهند، ثم استقر في النمسا منذ عام 2016، وقال إن مشاركته في احتجاجات خلال وجوده بالهند عرّضته لعواقب وخيمة، حيث وصلت صوره إلى السلطات الصينية، مما أدى إلى تجريده من ممتلكاته وتهديد أفراد أسرته، ومنذ ذلك الحين، قطع جميع أشكال التواصل معهم لحمايتهم، على الرغم من معرفته غير المباشرة بوفاة شقيقته العام الماضي، واستمرار حياة والديه.
وأشار إلى أن السفارة الصينية في فيينا تراقب وتصور كل شيء، وهو ما دفعه للتوقف عن أي نشاط علني، ومن هنا، لم يُذكر اسمه الحقيقي في التقرير حفاظًا على أمن عائلته.
قمع ممتد إلى مجتمعات أخرى
لا ينفرد Lobsang بهذه المعاناة، إذ أفادت تقارير مشابهة من أفراد في مجتمعات الإيغور، والتايوانيين، والمسيحيين الصينيين المقيمين في النمسا، بأنهم جميعًا يتعرضون لتهديدات مماثلة، وتُصنّفهم السلطات الصينية ضمن ما يُعرف بـ “السموم الخمسة” (“Five Poisons”)، وهو مصطلح يُطلقه الحزب الشيوعي الصيني على التيبتيين، الإيغور، أتباع Falun Gong، مؤيدي استقلال تايوان، والنشطاء المؤيدين للديمقراطية.
القمع العابر للحدود
أشار تقرير هيئة حماية الدستور النمساوية لعام 2023 إلى أن أعضاء هذه الفئات معرضون لخطر ما يُعرف بـ”القمع العابر للحدود” (Transnational Repression – TNR)، وهو مصطلح يُستخدم لوصف أنشطة الاضطهاد والملاحقة التي تنفذها حكومات ضد معارضيها خارج حدودها، وبحسب منظمة Freedom House، فإن الصين تقف خلف نحو خمس هذه الحالات الموثقة عالميًا، ما يجعلها الدولة الأولى في قائمة المنفذين لهذه الممارسات.
ضمن تحقيق صحفي واسع النطاق بعنوان “China Targets” قادته International Consortium of Investigative Journalists – ICIJ، تعاونت عدة مؤسسات إعلامية دولية مثل DER STANDARD، وProfil، وSpiegel، وThe Guardian، وWashington Post، لتوثيق أكثر من 100 حالة قمع عبر الحدود في أكثر من 20 دولة.
حكايات القمع
إحدى الحالات البارزة هي حالة Aygül Abdugheni (اسم مستعار)، وهي إيغورية تعيش في النمسا منذ عام 2012. شاركت في تظاهرة عام 2018، وبعد خمسة أيام فقط، تم اعتقال شقيقها في الصين، مما دفعها لوقف أنشطتها السياسية تمامًا.
في المقابل، تعاني مجتمعات مثل المسيحيين الصينيين في النمسا من الخوف الدائم من وجود “جواسيس”، حيث أصبح التجمع الديني الحر نادرًا ومحدودًا بمجموعات مغلقة. أما بالنسبة للتايوانيين، فالوضع مشابه، إذ يتحدثون عن شعور دائم بأن كل ما يفعلونه قد يصل إلى الحكومة الصينية عبر وسطاء، وغالبًا ما يكون هؤلاء الوسطاء طلابًا صينيين تم تجنيدهم عبر منح دراسية لتقديم تقارير عن زملائهم.
مراقبة حتى السياسيين
لم تقتصر الضغوط الصينية على النشطاء فحسب، بل طالت أيضًا سياسيين نمساويين. فقد تلقى النائب السابق عن حزب NEOS، Gerald Loacker، دعوة “دبلوماسية” إلى السفارة الصينية بعد دعوته لمشاركة تايوان في مؤتمر لمنظمة الصحة العالمية خلال جائحة كورونا، وصف Loacker اللقاء بأنه “مهذب رسميًا لكنه بارد”، وشعر خلاله بتهديد مبطن عندما سُئل مباشرة عن سبب تدخله في “شؤون الصين الداخلية”.
سياسي نمساوي آخر، فضّل عدم ذكر اسمه، أكد أن الصين تمارس ضغوطًا مماثلة لتلك التي تمارسها روسيا أو إيران، لكن بأسلوب أكثر مهنية وتفصيلًا.
التظاهر محفوف بالخطر
تعرض Thupten Dergey، من منظمة Students for a Free Tibet Austria، للتهديد من مجموعة تحمل أعلامًا صينية خلال مظاهرة ضد زيارة الرئيس الصيني Xi Jinping إلى Budapest، وقد أشار نشطاء تحدثوا مع DER STANDARD إلى أن مشاركتهم في مظاهرات مناهضة للصين قد تجلب لهم تهديدات حقيقية، حتى داخل النمسا.
ضعف الحماية القانونية
على الرغم من بعض حالات الاعتراف القضائي بالقمع الصيني، كما في ثلاث قرارات صادرة عام 2021 عن المحكمة الإدارية الفيدرالية التي ألغت قرارات المكتب الفيدرالي لشؤون الأجانب واللجوء ووصفتها بأنها “تفتقر إلى التحقيق الجدي”، فإن العديد من الضحايا يشعرون بأن الدولة النمساوية لا توفر لهم الحماية الكافية.أمام هذا الواقع، يختار الكثير من النشطاء التراجع عن الأنشطة السياسية، لكن Tashi Lobsang يحتفظ بموقف رمزي، فهو يحرص على المشاركة، وإن بوجه مغطى، في التظاهرة السنوية في 10 مارس، إحياءً لذكرى المقاومة التيبتية ضد الصين، وقال: “سأستمر في المشاركة بهذه المظاهرة حتى أموت”.



