متهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين يقاضي النمسا في أمريكا ويطالب بـ 10 ملايين دولار بحجة “تدمير مستقبله المهني”
قام الباحث السياسي فريد حافظ برفع دعوى قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية للمطالبة بتعويضات مالية بعد تعرضه لحملة أمنية في النمسا تحت إدارة كارل نيهامر، وزير الداخلية النمساوي السابق والمستشار قبل الحالي. تركز الدعوى على دور الباحث الآخر لورنزو فيدينو، الذي حظي بثقة جهات القضاء والأمن النمساوي في القضية، بحسب صحيفة derstandard النمساوية.
في الساعات الأولى من صباح 9 نوفمبر 2020، تغيرت حياة فريد حافظ بشكل جذري عندما وقع تحت مراقبة مكافحة الإرهاب في النمسا، رغم كونه أستاذًا للعلوم السياسية في جامعة سالزبورغ وشخصية معروفة في الأوساط الأكاديمية الدولية. كان حافظ محررًا لمجلة “Jahrbuch für Islamophobieforschung” (السجل السنوي لأبحاث الإسلاموفوبيا) التي أثارت جدلاً واسعًا، لكنه كان ضيفًا محاضرًا في عدة مؤسسات علمية، فجأة، أصبح هو وعدد من المسلمين في النمسا موضوعًا للتحقيقات بتهمة الإرهاب.
قاد كارل نيهامر، آنذاك وزير الداخلية، حملة أمنية موسعة عرفت باسم “عملية الأقصر”، التي استهدفت المشتبه في انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة عالمية للنشاط السياسي الإسلامي. جاء تنفيذ العملية بعد أيام من هجوم إرهابي في فيينا، رغم عدم وجود صلة مباشرة بين الهجوم والجماعة، مما عزز من التغطية الإعلامية للعملية.
لكن بعد خمس سنوات، اعتُبرت العملية فاشلة إلى حد كبير، ولم يتم تحقيق أي نتائج جوهرية، حيث جرت محاكمة واحدة رئيسية ضد معلم إسلامي وأربعة طلاب بتهمة الترويج للنازية عبر ملصقات هتلر في مجموعات واتساب، وتم تبرئتهم جميعًا، كذلك، لم تتحقق أية محاكمات تتعلق بتمويل الإرهاب، وأغلقت معظم التحقيقات بحق 120 متهماً، ولم يبقَ سوى 20 منهم تحت المتابعة القضائية، بمن فيهم المشتبه في كونهم قياديين في الجماعة.
أما حافظ، فلم تثبت التهم الموجهة إليه مثل الانتماء إلى تنظيم إرهابي أو تمويل الإرهاب، لكنه اضطر لمغادرة النمسا، وهو يعمل الآن أستاذًا زائرًا في كلية ويليامز في الولايات المتحدة، وصرح حافظ بأن الضرر الذي لحق بسمعته وأدى إلى فقدانه لسبل العيش في وطنه أجبره على الهجرة.
يركز حافظ في دعواه القضائية على الباحث الأمريكي لورنزو فيدينو، مدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، والذي يعد خبيرًا بارزًا في شؤون الإسلام السياسي وكتب عدة مؤلفات عن الإخوان المسلمين، فيدينو أُوكل إليه إعداد تقرير عن أنشطة الجماعة في النمسا عام 2017، بتمويل من جهاز الأمن النمساوي وجامعة فيينا، وكان هذا التقرير أساس التحقيقات في عملية الأقصر.
يتهم حافظ فيدينو بعدم الحياد العلمي، ويدعي أنه جزء من حملة تأثير سرية تمولها جهات أجنبية، معتمدًا في ذلك على تسريبات من شركة Alp Services السويسرية، وهي وكالة سرية تعمل لصالح شخصيات رفيعة من الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر الإخوان تهديدًا لحكمها حسب تعبيرهم.
كشفت الوثائق المسربة أن مسؤولًا حكوميًا من أبو ظبي تعاون مع شركة Alp لتحديد أهداف وتشويه سمعتها، عبر التلاعب بمواقع مثل ويكيبيديا، والتأثير على الصحفيين، وممارسة ضغوط غير مباشرة على صناع القرار، كما أظهرت الوثائق أن فيدينو كان منخرطًا في التحقيقات ويقدم شهاداته التي استندت إليها الشرطة خلال المداهمات التي جرت، والمعروفة أيضاً باسم “عملية رمسيس”.
تسببت هذه التسريبات في إثارة ضجة كبيرة بعد أن طالب مخترقون بمبلغ 30 مليون دولار مقابل الوثائق المسربة، قبل أن تتدخل السلطات السويسرية لضبط الموقف، وأفردت عدة وسائل إعلامية تقارير موسعة حول هذه القضية.
قام حافظ برفع دعوى فيدرالية في الولايات المتحدة استنادًا إلى قانون مكافحة العصابات والأنشطة الفاسدة (RICO)، مطالبًا بتعويض يتجاوز عشرة ملايين دولار، معتبراً أن الحملة المنهجية دمرت مستقبله المهني.
من جهتها، نفت الأطراف المدعى عليها جميع الاتهامات، مؤكدة أن تصريحاتها بشأن حافظ تدخل في إطار حرية التعبير، وأنه لا توجد أدلة على تورط فيدينو أو غيره في تشويه سمعته بشكل مباشر، كما رفضت شركة Alp التعامل مع القضاء الأمريكي بحجة اختصاصها الأوروبي فقط.
عند الاستفسار، رد فيدينو بنبرة ساخرة لكنه لم يقدم توضيحات مفصلة، مشيرًا إلى أن تواصله مع شركة Alp والسلطات النمساوية يخضع لاتفاقيات سرية، ونفى معرفته بعلاقة الإمارات مع الشركة، أما جامعة جورج واشنطن وشركة Alp فلم تردا على الطلبات الإعلامية.
تثير هذه القضية تساؤلات مهمة حول دور الخبراء المزعومين المستقلين، وتعاون الأجهزة الأمنية مع جهات خارجية، وتأثير النفوذ الدولي على المسارات السياسية، فضلاً عن مخاطر تدمير سمعة الأفراد دون أدلة واضحة، وإذا قبلت المحكمة الأمريكية النظر في القضية، فقد يكون لذلك تداعيات واسعة على التعاون الأمني الدولي وعلى حماية الحقوق المدنية.



