محامو الدفاع في النمسا يطالبون بإصلاحات في قضايا الجرائم الجنسية بسبب الاتهامات الزائفة

اختُتِمَ في مدينة سالزبورغ، يوم الأحد، المؤتمر الحادي والعشرون لمحامي الدفاع الجنائي في النمسا، بحضور قياسي بلغ 220 مشاركاً، حيث طالب الخبراء بإجراء تعديلات على قانون العقوبات، بسبب كثرة الاتهامات الزائفة في قضايا الجرائم الجنسية المزعومة، إضافة إلى ضرورة تغيير أساليب الاستجواب المتبعة عند الاستماع إلى الضحايا المفترضين.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، انعقد المؤتمر السنوي لمحامي ومحاميات الدفاع الجنائي في النمسا هذا العام تحت شعار: “He said. She said – هو قال، هي قالت”. وقد دعا العديد من المشاركين إلى تعديل إجراءات التحقيق والمحاكمة في قضايا الجرائم الجنسية. وطالب “جمعية محامي الدفاع الجنائي النمساويين” (VÖStV) بالتقليل من اعتماد ما يُعرف بـ”الاستجواب التناقضي” (kontradiktorische Zeugeneinvernahme)، لصالح اعتماد أسلوب “الاستجواب المباشر اللطيف” أمام المحكمة خلال الجلسة الرئيسية.

في السياق ذاته، أُشير إلى أن الأسلوب المعتمد حالياً يتضمن إمكانية استجواب الضحايا المفترضين خلال مرحلة التحقيق بأسلوب “تناقضي”، مما يُعفيهم لاحقاً من الإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة في الجلسة الرئيسية، لا سيما عندما يكون المتهمون عادة من الرجال. وبدلاً من ذلك، يتم عرض أقوالهم المسجلة على الفيديو خلال المحاكمة أو تلاوتها فقط.

مخاوف من الاتهامات الزائفة

أعرب محامو الدفاع عن قلقهم حيال هذه الممارسة، معتبرين أنها تمنع المحكمة من تكوين انطباع مباشر وشخصي عن الضحايا المفترضين، كما تُقيِّد من حق الدفاع في الاستجواب أثناء الجلسة. وتكمن الخطورة في هذا الأمر، حسب تعبيرهم، في أن “الاتهامات الزائفة ليست نادرة في قضايا الجرائم الجنسية”، بحسب ما أوضحه الطبيب النفسي الجنائي المعروف فرانك أوربانيك (Frank Urbaniok)، وهو طبيب سويسري-ألماني تحدث خلال المؤتمر.

أهمية تقارير علم النفس الجنائي

دعت الجمعية أيضاً إلى الإلزام القانوني بأخذ تقارير الخبرة النفسية الجنائية (aussagepsychologische Gutachten) بعين الاعتبار، لما لها من أثر في “رفع جودة تقييم الأدلة”، بحسب ما أكده رئيس الجمعية فيليب وولم (Philipp Wolm)، وأوضح أن قضايا الجرائم الجنسية تشكّل 3.3% فقط من إجمالي القضايا في الجلسات الرئيسية، إلا أن عدد هذه القضايا شهد زيادة كبيرة خلال السنوات الأخيرة.

وللحفاظ على مبدأ “قرينة البراءة”، طالبت الجمعية بتعديل تعريف “الضحية” في مواضع معينة من قانون الإجراءات الجنائية (Strafprozessordnung – StPO)، ليصبح “الضحية المزعومة” (mutmaßliches Opfer) بدلاً من “الضحية” فقط.

أوربانيك: الظاهرة باتت مقلقة

عبّر الطبيب النفسي الجنائي فرانك أوربانيك عن صدمته من حجم ظاهرة الاتهامات الزائفة، واصفاً إياها بأنها “اتجاه اجتماعي” بات يتنامى. واستند أوربانيك إلى عدد من الدراسات العلمية، ليؤكد أن ما بين 2% إلى 10% من الشكاوى المتعلقة بالجرائم الجنسية، هي في الحقيقة “حقائق مزيفة”، واصفاً إياها بأنها “قمة جبل الجليد”.

خلفيات نفسية للمُتهمين الزائفين

وأوضح أوربانيك أن الأشخاص الأكثر ميلاً لتقديم بلاغات كاذبة هم الذين يعانون من ضعف في إدراك الواقع أو اضطرابات الهوية، وكذلك الشخصيات غير الناضجة أو التلاعبية، إضافة إلى الأشخاص المصابين باضطرابات اجتماعية أو أولئك الذين تتسم مشاعرهم بالغيرة المفرطة أو قابلية الانكسار. كما أشار إلى أن العديد من هؤلاء الأشخاص يخضعون للعلاج النفسي بسبب صدمات فعلية سابقة، غير أن مسار معالجتهم قد يوجَّه في “اتجاه معين”، على حد تعبيره.

ولفت أوربانيك إلى أن الآباء هم الفئة الأكثر تضرراً من الاتهامات الكاذبة، لا سيما في النزاعات الأسرية.

الدعوة إلى ملاحقة الاتهامات الكاذبة جنائياً

شدد أوربانيك على أن “الأشخاص الذين يتعرضون لاتهامات كاذبة هم ضحايا أيضاً”، وأشار إلى أن هذه الاتهامات يصعب محوها في عصر وسائل التواصل الاجتماعي حتى بعد إثبات بطلانها: “فالأشخاص المعنيون يصبحون موصومين”. ودعا سلطات الادعاء العام إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد مقدمي البلاغات الزائفة، قائلاً: “هذه جرائم جسيمة. ومن السيئ جداً للنظام القضائي ككل أن تمر الاتهامات الزائفة دون محاسبة”.واختتم أوربانيك حديثه بالقول إن ترك ضحايا الاتهامات الكاذبة يواجهون مصيرهم دون إنصاف “أمر غير مقبول”، مطالباً بتناول هذه القضية بعمق مهني عند ثبوت حالات محددة، وكذلك عبر تغطية إعلامية موسعة لهذا الموضوع الحساس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى