معاناة مستمرة في طريق الاندماج.. سوريون في النمسا بين لغة صعبة وبيروقراطية معقدة

فييناINFOGRAT:

تواجه الجالية السورية في النمسا تحديات كبيرة تعيق اندماجها في سوق العمل والمجتمع، وسط ضعف مهارات اللغة الألمانية، ومستوى تعليمي متدنٍ، وحواجز بيروقراطية متشابكة. وفي ظل هذا الواقع الصعب، يعبّر السوريون عن إحباطهم وتذمرهم من نظام لا يعكس طموحاتهم وقدراتهم الحقيقية، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول فرصهم في بناء حياة مستقرة ومستقبل أفضل في بلد اللجوء.

أظهر تقرير جديد صادر عن “خدمة سوق العمل النمساوية” (AMS) أن اندماج اللاجئين السوريين في سوق العمل النمساوي يواجه صعوبات متزايدة، خصوصًا بالنسبة لأولئك الذين دخلوا البلاد بعد عام 2020، حيث تبرز مشكلات تتعلق بضعف اللغة، وانخفاض المستوى التعليمي، إضافة إلى حواجز بيروقراطية وثقافية.

ووفقًا لتقرير بعنوان “اللاجئون الجدد من سوريا في سوق العمل النمساوي”، فإن اللاجئين الذين وصلوا بعد عام 2022، يشكلون تحديًا خاصًا، إذ يعاني العديد منهم من احتياجات نفسية واجتماعية متزايدة، إلى جانب غياب المعرفة بالنظام السياسي والاجتماعي في النمسا، مقارنة بمن سبقوهم في موجات لجوء 2015 و2016.

أرقام مقلقة حول اللغة والتعليم

تُظهر بيانات التقرير أن ثلاثين بالمئة من السوريين المسجلين لدى AMS لا يمتلكون أي مهارات لغوية باللغة الألمانية بعد مرور عام ونصف على وصولهم. فيما يمتلك نصفهم فقط مهارات أساسية، في حين لا يتجاوز من يصل إلى المستوى اللغوي B نسبة 10%، ولا تتجاوز نسبة الحاصلين على مستوى C نسبة 1%.

وتزداد حدة المشكلة في العاصمة فيينا، حيث ترتفع نسبة غير المتحدثين بالألمانية إلى 35%، مقارنة بـ26% في ولاية النمسا العليا و18% في ستيريا.

أما على صعيد التعليم، فالمؤشرات أكثر سلبية؛ إذ أن 38% من السوريين الذين دخلوا البلاد بعد 2022 لم يحصلوا على أي شهادة تعليمية، و16% فقط حصلوا على أدنى مؤهل بحسب التصنيفات الدولية. ويؤكد التقرير أن ذلك يُعد من أبرز العوامل التي تعيق دخولهم سوق العمل.

فجوة ثقافية وصدام مع الواقع البيروقراطي

يلفت التقرير إلى وجود صعوبات متبادلة بين اللاجئين السوريين والجهات المعنية في النمسا، خاصة في ما يتعلق بتوقعات الانضباط بالمواعيد، والالتزام بالتراتبية في بيئة العمل، والكفاءة. كما عبّر العديد من السوريين عن استيائهم من تعقيدات الدخول إلى سوق العمل، والأجور المنخفضة التي لا تكاد تتجاوز المساعدات الاجتماعية، ما وصفوه بأنه “محبط وغير مشجع”.

الشباب من السوريين أبدوا رغبتهم في العمل ضمن الحِرف أو قطاع الرعاية الصحية، بينما فضّل الأكبر سنًا الوظائف التي لا تتطلب مهارات لغوية عالية. وبرز تفاوت واضح بين الجنسين؛ إذ أن النساء أقل مشاركة في سوق العمل، لأسباب تتعلق برعاية الأطفال، والأدوار التقليدية، إضافة إلى تحديات مثل حظر الحجاب في بعض أماكن العمل. في المقابل، فإن النساء غير المتزوجات، أو المنفصلات، أو الأرامل، كنّ أكثر نشاطًا في سوق العمل.

تحديات مؤسساتية ومحدودية الفرص

يوضح التقرير أن مسارات الاندماج تعاني من مشاكل هيكلية، مثل طول فترات الانتظار، وتذبذب جودة دورات اللغة، ونقص التنسيق بين المؤسسات المعنية. كما انتقد اللاجئون السوريون كثرة تبدل مدرّسي اللغة وقلة فرص التطبيق العملي لما يتم تعلمه.

ورغم هذه العراقيل، نجحت جهود موظفي التوظيف في AMS في تسريع إدماج عدد كبير من السوريين في سوق العمل، ما أدى بدوره إلى زيادة الضغط على العاملين في هذه المؤسسة، خاصة في ظل صعوبة مواءمة مؤهلات اللاجئين مع متطلبات سوق العمل.

ويشير بعض السوريين إلى أن مهاراتهم لم تؤخذ بعين الاعتبار بشكل كافٍ، بينما أشار آخرون إلى صعوبات في الاعتراف بشهاداتهم، خصوصًا في مجالات الطب والتعليم. وذكر التقرير مثالًا عن لاجئ مدرّب في المجال الطبي يعمل حاليًا في متجر سوبرماركت، ما يزيد من شعور الإحباط وفقدان الحافز.

الضغط والخيارات المحدودة

بحسب البيانات، فإن أقل من نصف اللاجئين السوريين الذين دخلوا البلاد بعد 2022 حصلوا على وظيفة عبر AMS. وأفاد بعضهم بشعورهم بالضغط من قبل الموظفين، الذين يطالبونهم بالتقدم لعروض العمل خلال فترة لا تتجاوز ثمانية أيام، وإلا يتم تقليص المساعدات المالية، مما يدفع البعض إلى إهمال تعلم اللغة الألمانية.

كما عبّر آخرون عن خيبة أملهم من أن AMS يركّز بشكل أساسي على التوظيف المباشر، دون تقديم فرص كافية للتدريب المهني أو إعادة التأهيل الأكاديمي.

ونقلت إحدى السوريات، وهي طبيبة أطفال درست الطب في سوريا وعملت في تركيا، انتقادات لاذعة بشأن وضع السوريات في وظائف متدنية مثل التنظيف دون النظر إلى كفاءاتهن ومؤهلاتهن العلمية.

ووفقًا للتقرير، فإن بعض اللاجئين يتعمدون الرسوب في دورات اللغة للتهرب من وظائف لا تضمن الحد الأدنى من الكرامة أو المعيشة الكريمة، في ظل أجور ضعيفة لا تكفي لتغطية تكاليف الحياة اليومية.

مع ذلك، ينفي تقرير AMS أن يكون هناك “اتجاه عام” بين السوريين لرفض تعلم اللغة بغرض البقاء على المساعدات الاجتماعية، مؤكدًا أن تلك حالات فردية نادرة لا ترقى إلى مستوى الظاهرة.

الاندماج الاجتماعي: غائب أو سطحي

على الصعيد الاجتماعي، يواجه السوريون صعوبات في الاندماج داخل المجتمع النمساوي، حيث يفضّل الكثيرون العيش ضمن مجتمعاتهم الخاصة، ويقتصر تواصلهم على أبناء جاليتهم، خاصة في المدن الكبرى كفيينا، ما يُعزّز من حالة الانعزال الاجتماعي.

ويُرجع السوريون ذلك إلى “الاختلاف في العقليات والثقافات”، فضلًا عن شعورهم بأن السكان المحليين “قليلون في التواصل والانفتاح”. كما أشار بعضهم إلى مواجهتهم لحالات من الرفض الاجتماعي، ليس فقط من النمساويين، بل أحيانًا من لاجئين سوريين أقدم منهم.

ويرى معدو التقرير أن صعوبات الاندماج تعود جزئيًا إلى تجربة اللجوء الطويلة عبر بلدان العبور مثل تركيا ولبنان والأردن وليبيا، حيث اضطر كثير من اللاجئين للعمل في وظائف هامشية، و تعرضوا لانتهاكات أو تجارب سلبية أثرت على حالتهم النفسية بشكل بالغ.


مباشر لأحدث القصص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى