مقال: إسرائيل وسوريا الجديدة.. واقعية سياسية أم ترتيب لمستقبل المنطقة؟

مع سقوط نظام الأسد، وخروج إيران وحزب الله من المشهد السوري، وانسحاب روسيا تدريجيًا، تبرز تساؤلات حول الأدوار التي ستلعبها القوى الإقليمية والدولية في تحديد مستقبل سوريا. في هذا السياق، تظهر إسرائيل وتركيا كلاعب رئيسي يسعى لاستثمار هذا التحول الجذري، ولكن بأي ثمن؟ وهل اندرجت تحركاتهما ضمن إطار الواقعية السياسية أم أنها تهدف إلى إعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها؟

م. أحمد مراد
اعلامي عربي
مقيم في فيينا

خروج حزب الله وإيران: تحول استراتيجي أم نهاية مرحلة؟
كان خروج حزب الله وإيران من سوريا نتيجة مباشرة لتغير المعادلات على الأرض، حيث واجه الطرفان مقاومة شرسة من المعارضة السورية على مدار عقد من الزمن، فضلاً عن الاستنزاف الكبير بسبب ضربات إسرائيل المكثفة. مع سقوط الأسد، فقد حزب الله وإيران أهم حليف إقليمي لهما، مما أدى إلى انحسار نفوذهما بشكل ملحوظ. هذا الانسحاب يُعتبر نقطة تحول في توازن القوى الإقليمية، ويفتح المجال أمام سيناريوهات جديدة تتجاوز مجرد تصفية الحسابات العسكرية إلى بناء ترتيبات سياسية طويلة الأمد.

انسحاب روسيا: فراغ استراتيجي أم فرصة للآخرين؟
انسحاب روسيا من المشهد السوري، نتيجة أزماتها المتزايدة وانشغالها بالحرب في أوكرانيا، خلق فراغًا في الساحة السورية. هذا الانسحاب أزال أحد أهم الفاعلين الدوليين الذين حافظوا على توازن القوى خلال الصراع السوري، ما جعل المشهد مفتوحًا أمام تدخلات جديدة مثل تركيا التى بدأت زيارات من أعلى المستويات الى القيادة الجديدة، وبالنسبة لإسرائيل، يبدو هذا التطور فرصة لإعادة رسم المعادلات الإقليمية دون وجود منافس قوي على الأرض.

إسرائيل والواقعية السياسية: تأمين أم طموح؟
إسرائيل، التي كانت تبرر ضرباتها العسكرية في سوريا بمخاوف أمنية من إيران وحزب الله، أصبحت الآن أمام مشهد جديد. فالفراغ الذي خلفه سقوط الأسد وخروج خصومها التقليديين يمنحها مساحة للتأثير في صياغة مستقبل سوريا. ومع ذلك، فإن هذه التحركات تبدو مدفوعة بواقعية سياسية واضحة: تأمين حدودها الشمالية، وضمان استقرار منطقة الجولان، ومنع أي تهديد مستقبلي.

التطبيع مع سوريا الجديدة: خيار استراتيجي؟
مع تغير المعادلات، يصبح التطبيع مع النظام السوري الجديد احتمالًا قائمًا. إسرائيل قد تقدم نفسها كشريك استراتيجي يضمن الاستقرار في المنطقة، مقابل تطبيع العلاقات مع سوريا الجديدة. هذا السيناريو ليس بعيدًا عن الواقع، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار موجة التطبيع التي شملت دولًا عربية أخرى في السنوات الأخيرة.

مستقبل سوريا: بين التأثيرات الإقليمية والدولية
رغم خروج القوى التقليدية مثل إيران وحزب الله وروسيا، فإن مستقبل سوريا سيظل مرهونًا بتفاهمات دولية وإقليمية. إسرائيل، التي تسعى لترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها، قد تجد نفسها مضطرة للعمل ضمن تفاهمات أوسع تشمل الولايات المتحدة وأوروبا وحتى تركيا، لضمان استقرار سوريا وعدم تركها عرضة لاضطرابات جديدة.

هل الواقعية السياسية تخدم الشعب السوري؟
السوريون الذين عانوا عقودًا من الاستبداد وحربًا دموية يتطلعون إلى مستقبل مختلف، قائم على السيادة والحرية. لكن السؤال يبقى: هل يمكن أن تتماشى الواقعية السياسية التي تحرك إسرائيل وغيرها من القوى مع تطلعات الشعب السوري؟ أم أن ترتيبات ما بعد سقوط الأسد ستظل محكومة بمصالح القوى الكبرى فقط؟

في النهاية: واقعية سياسية أم مستقبل جديد؟
سقوط الأسد وخروج حزب الله وإيران وغياب روسيا ودخول تركيا بقوة، يفتح المجال أمام ترتيبات جديدة في سوريا. إسرائيل، التي تتحرك بواقعية سياسية واضحة، قد تساهم في صياغة هذا المستقبل، لكن يبقى التحدي الحقيقي هو ضمان أن تكون هذه الترتيبات في خدمة الشعب السوري أولاً. فهل تستطيع سوريا الجديدة أن تجد توازنًا بين واقع السياسة الإقليمية وطموحاتها في بناء دولة مستقلة ومتزنة؟ أم أن اللعبة الإقليمية ستفرض قواعدها على الجميع؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى