مقال: العملية الأمنية.. مواجهة مع ماضي الأسد ومستقبل سوريا المعقد

في خطوة وصفها المراقبون بأنها هامة في إطار عملية استعادة السيطرة على المناطق التي كانت خاضعة لنظام الأسد، أعلنت إدارة العمليات العسكرية بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية، الخميس، عن تنفيذ عملية أمنية في ريف محافظة طرطوس بهدف ضبط الأمن، الاستقرار، والحفاظ على السلم الأهلي. العملية التي استهدفت “فلول ميليشيات الأسد” في المناطق الجبلية والأحراش، أسفرت عن اعتقال العديد من العناصر الموالية للرئيس السابق بشار الأسد، فيما استمرت قوات الأمن في ملاحقة آخرين.

م. أحمد مراد
اعلامي عربي
مقيم في فيينا

هذه العملية الأمنية جاءت بعد يوم واحد من الهجوم الدامي الذي تعرضت له قوات الأمن في المنطقة، حيث أسفر عن مقتل 14 من أفراد قوات الداخلية وإصابة 10 آخرين إثر تعرضهم لكمين من قبل “قوات النظام السابق”. وتزامن هذا الهجوم مع اشتباكات عنيفة في محافظة طرطوس الساحلية، حيث حاولت قوات الأمن اعتقال ضابط عسكري بارز كان قد شغل عدة مناصب هامة في عهد النظام المخلوع. هذا الضابط، الذي كان أحد المسؤولين عن جرائم سجن صيدنايا، كان هدفاً لعملية أمنية كانت تهدف إلى توقيفه، لكن هذه المحاولة أدت إلى مقتل 17 شخصاً، بينهم 14 من قوات الأمن و3 من المسلحين الذين تصدوا لمحاولات القبض عليه.

العملية في طرطوس تعتبر واحدة من سلسلة محاولات إعادة الهيبة لقوى الأمن الداخلي في سوريا بعد انهيار حكم الأسد، في سياق ما يمكن تسميته بـ “الحرب السورية السورية المؤجلة”. فهي تمثل معركة مستمرة من أجل فرض سيطرة الدولة على مناطق كانت خاضعة للنظام السابق أو على ميليشيات كانت تحتفظ بنفوذها بعد سقوط الأسد. تعكس هذه العمليات الأمنية حالة من التوتر في الساحة السورية بعد أكثر من عقد من النزاع، حيث تتعدد القوى والفصائل المتنازعة، وتتكشف تبعات مرحلة ما بعد الأسد.

من جهة أخرى، إن هذه العمليات الأمنية تؤكد على تواصل الفوضى والفراغ الأمني في بعض المناطق، وهو ما يعقد الجهود الرامية إلى بناء السلام والاستقرار في سوريا. فرغم النجاح الجزئي الذي قد تحققه القوات السورية في إعادة السيطرة على بعض المناطق، إلا أن معركة طويلة الأمد في مواجهة العناصر التي ظلت متمسكة بنظام الأسد ومؤسساته لا تزال قائمة. كما أن ملاحقة “فلول ميليشيات الأسد” لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تتداخل مع الكثير من الاعتبارات السياسية والحقوقية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي شهدتها البلاد.

وفي إطار السلم الأهلي الذي يسعى الكثيرون إلى تحقيقه، يبقى التساؤل الأهم: هل تستطيع سوريا بناء مؤسسة أمنية موحدة تساهم في استقرار البلاد في هذه المرحلة الدقيقة؟ وإن كان القضاء على ميليشيات الأسد جزءاً من الصورة، فإنه يبقى مجرد حلقة من سلسلة طويلة من التحديات التي تواجهها البلاد على صعيد إعادة بناء مؤسساتها وتحقيق العدالة، أم أن المجرم الأول يسعى لتوريط الآخر في جريمة جديدة لافقاده حقه في مطالبه بالعدالة من نظام الأسد وإيران وروسيا.

من الواضح أن الحرب السورية المؤجلة ستكون بحاجة إلى أكثر من مجرد مواجهة عسكرية لفلول النظام السابق، بل إلى حلول سياسية واقتصادية تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف السورية وتساهم في بناء دولة ديمقراطية ومستقرة بعيداً عن الانقسام والانتقام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى