مقال حول مفهوم الوحدة: تأمل في فيلم حسن ومرقص
فيينا – INFOGRAT:
في عالم يواجه تحديات الانقسامات الناتجة عن التصنيفات والمعتقدات المتباينة، يبرز مفهوم الوحدة كدعوة للتأمل العميق في إنسانيتنا المشتركة. يدعونا هذا المفهوم إلى تجاوز الاختلافات الظاهرية التي تفصل بيننا، والتعرف على الروابط الجوهرية التي تجمعنا كأفراد ينشدون السلام والكرامة. من بين الأعمال الفنية التي تقدم معالجة إنسانية راقية لهذا المفهوم، فيلم حسن ومرقص (2008) الذي قام ببطولته عادل إمام وعمر الشريف. بأسلوب يجمع بين العمق والبساطة، يتناول الفيلم قضية التعايش الديني في مصر، مسلطًا الضوء على القيم المشتركة التي تتجاوز حدود العقائد.

بروفيسور مشارك في الصحة العالمية
مقيم في فيينا
القصة: رحلة إلى التعاطف الإنساني
يدور فيلم حسن ومرقص حول قصتي رجلين—حسن، وهو شيخ مسلم، ومرقص (بولس)، وهو قس مسيحي—يُجبران على تبديل هوياتهما والعيش كأتباع الدين الآخر لحمايتهما من تهديدات متطرفة. من خلال هذه الرحلة، تتفتح أمامهما رؤى جديدة عن الحياة، وتنكشف لهما الحقيقة الإنسانية التي تتجاوز الانتماءات الدينية.
في مشهد مؤثر للغاية، يدخل حسن إلى الكنيسة ليصلي، بينما يذهب بولس إلى المسجد. هنا، تتبدد الفواصل الشكلية، ويظهر الجانب الروحي المشترك بينهما. الصلاة في كلا المكانين ليست مجرد طقس يؤديانه، بل هي صرخة للسكينة والاتصال بالخالق. المشهد يعكس وحدة الهدف الإنساني أمام التنوع في المظاهر.
عمق مشهد الصلاة: دعوة إلى التأمل
ما يجعل هذا المشهد خالدًا هو قدرته على تجاوز حدود الدين والانتماء ليصل إلى عمق الروح الإنسانية. حسن وبولس، كلاهما في لحظة من التأمل الصادق، لا يراهما المشاهد كمسلم أو مسيحي، بل كإنسانين يسعيان للسلام الروحي والطمأنينة.
يتساءل بولس في هذا المشهد: لماذا توجد هذه الحواجز بيننا؟ سؤاله ليس مجرد تساؤل فردي، بل هو صدى لتساؤلات إنسانية أوسع. الحواجز التي تفصل بين الناس ليست متجذرة في الدين بحد ذاته، بل غالبًا ما تكون ناتجة عن سوء الفهم والجهل بالمشترك. الصلاة هنا تتحول إلى لغة عالمية تخاطب الروح، بعيدًا عن القوالب المفروضة.
مفهوم الوحدة: رؤية إنسانية خالدة
موضوعات الفيلم تسلط الضوء على حقيقة أزلية: أن البشر، في جوهرهم، متوحدون برغبتهم في الحب والسلام والمعنى. الأديان، بكل تنوعها، هي طرق متعددة تؤدي إلى ذات الوجهة—الاتصال بالخالق وتعزيز الفضيلة.
من هذا المنظور، تصبح مشاهد الصلاة في الفيلم رمزًا لهذه الوحدة. الكنيسة والمسجد، اللذان يُنظر إليهما في كثير من الأحيان كرموز للتمايز، يتحولان إلى فضاءات تجمع بين القلوب البشرية في سعيها للسلام الداخلي. هذا التصور يدعونا لإعادة التفكير في المفهوم التقليدي للمقدس، بحيث يشمل كل فعل نابع من الإخلاص والتقوى.
دروس من فيلم حسن ومرقص لعالمنا المعاصر
قصة حسن ومرقص ليست فقط قصة عن شخصين يواجهان تحديات فريدة، بل هي رسالة عالمية لكل من يبحث عن فهم أعمق للآخر. إنها تطرح تساؤلات حول الأحكام المسبقة، وتدعو إلى مواجهة الخوف الذي يولد الحواجز. الفيلم يُظهر كيف أن التعاطف الإنساني يمكنه أن يكون الجسر الذي يربط بين القلوب ويذيب الحواجز.
في ظل التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم، نجد في هذه القصة دعوة للبحث عن المشتركات، للتعامل مع الآخرين بتواضع واحترام، ولإدراك أن قيمنا المشتركة أعظم من اختلافاتنا.
يدعونا الفيلم للتفكر في حقيقة واحدة: أننا جميعًا، بمختلف انتماءاتنا، نبحث عن ذات الأشياء—السلام، والمحبة، والانتماء. وفي إدراك هذه الحقيقة، نجد أن الطريق إلى الوحدة ليس مستحيلاً، بل يبدأ بالتواضع وباحترام الآخر.
في النهاية، يقدم لنا حسن ومرقص درسًا خالدًا: خلف كل التصنيفات والهويات، نحن بشر نتشارك رحلة واحدة. هذه الرحلة، إذا ما ارتكزت على قيم التعاطف والاحترام، يمكن أن تصبح جسرًا للوصول إلى عالم أكثر إنسانية ووحدة.


