من القاهرة إلى القدس: جولة دبلوماسية نمساوية بملفات شائكة من غزة حتى إيران

وقّعت جمهورية مصر العربية وجمهورية النمسا، يوم السبت 28 يونيو 2025، مذكرة تفاهم لتدشين آلية للمشاورات السياسية بين البلدين، وذلك خلال زيارة رسمية قامت بها وزيرة الخارجية النمساوية بياته ماينل‑رايزينغر إلى القاهرة، في إطار جولة شرق أوسطية شملت قبرص وتستمر في الأردن وإسرائيل.

وجرى توقيع مذكرة التفاهم في ختام جلسة مباحثات رسمية بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيرته النمساوية، حيث أكّد الجانبان في بيان مشترك على أهمية هذه الآلية الجديدة لتطوير العلاقات الثنائية والارتقاء بها إلى آفاق أوسع، بما يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية.

وأشار بيان وزارة الخارجية المصرية إلى أن المباحثات تناولت “سبل دعم العلاقات الثنائية، والتشاور حول تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية”، فيما أعرب الوزير المصري عن تطلع بلاده إلى “تعزيز كافة جوانب العلاقات الثنائية، والبناء على نتائج الزيارات رفيعة المستوى، وآخرها زيارة المستشار النمساوي للقاهرة في مارس/ آذار 2024”.

قضايا إنسانية وأمنية في صلب المحادثات

وشملت المباحثات المشتركة القضايا الإنسانية والأمنية المرتبطة بالنزاع في قطاع غزة، حيث شدد عبد العاطي على “ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار وخفض التصعيد”، مستعرضاً “الجهود الحثيثة التي بذلتها مصر لاحتواء الموقف بين إسرائيل وإيران، والدفع بالحلول السياسية والدبلوماسية”.
كما أكد على “ضرورة الاهتمام بالأوضاع المتدهورة في قطاع غزة والضفة الغربية”، مشيراً إلى “الجهود التي تبذلها مصر لاستئناف وقف إطلاق النار، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى القطاع”.

في السياق نفسه، دعت الوزيرة النمساوية، في مؤتمر صحفي مشترك، إلى التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة، مؤكدة “ضرورة التوصل إلى حل سياسي يقدم آفاقاً حقيقية لحل الدولتين”، وشددت على دعم النمسا للجهود الإنسانية في القطاع.

وأعلنت بياته ماينل‑رايزينغر عن تقديم حكومة بلادها 3 ملايين يورو من صندوق الكوارث الأجنبية، لدعم عمليات الإغاثة في غزة والدول المجاورة، وذلك بعد زيارتها لمقر الهلال الأحمر المصري، حيث اطلعت على الجهود المبذولة لإرسال المساعدات الإنسانية، في ظل توقف تدفق الإمدادات عبر معبر رفح منذ مارس الماضي.

كما صرّحت بأن “الوضع الإنساني في غزة لا يُحتمل”، معتبرة استئناف إيصال المساعدات إلى القطاع أولوية مركزية للاتحاد الأوروبي. لكنها أضافت أيضًا أنها “تتفهم المخاوف الأمنية لإسرائيل”، وأشارت إلى أن “الاتحاد الأوروبي يجب أن يبدأ محادثات مباشرة مع إسرائيل”، وشدّدت على أن تحقيق تقدم بهذا الشأن ضروري قبل الاجتماع الأوروبي المقبل حول غزة.

وفي هذا السياق، أوضحت ماينل‑رايزينغر أن “حماس صادرت بعض المساعدات”، وأنه “لا يمكن إنكار هذه الوقائع”، في إشارة إلى امتناع إسرائيل عن التعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا UNRWA). وأضافت: “أدرك صعوبة الموقف، لكن الاستمرار بهذا الشكل لم يعد مقبولاً”.

اللاجئون والهجرة في محور الاهتمام المشترك

وتناولت المحادثات أيضًا ملف اللاجئين والمهاجرين، ولا سيما من السودان، حيث التقت الوزيرة النمساوية بممثلين عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر، واطّلعت على الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون السودانيون، والبالغ عددهم نحو 1.5 مليون شخص. وأكدت على التزام النمسا بدعم الجهود الدولية لتقديم المساعدات، في ظل تراجع التمويل المخصص للمنظمة الدولية.

كما شدد الوزير المصري على أهمية “تكثيف التعاون المشترك في مجال تنظيم العمالة، والتبادل العلمي والثقافي والسياحي، والطاقة المتجددة، وكذلك في مجال مكافحة الإرهاب”، مشيراً إلى أهمية تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين وتشجيع الاستثمارات النمساوية في مصر.

لقاء مع إيران وتحضيرات لزيارات إلى الأردن وإسرائيل

وبالتوازي مع الزيارة إلى القاهرة، أجرت الوزيرة النمساوية مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، حيث دعت إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران، والعودة إلى طاولة المفاوضات، مؤكدة استعداد فيينا لاحتضان هذه المحادثات كمنصة محايدة.

وبعد زيارتها إلى قبرص ومصر، تتوجّه ماينل‑رايزينغر اليوم الأحد إلى العاصمة الأردنية عمّان، حيث من المقرر أن تلتقي نظيرها الأردني أيمن الصفدي، علمًا بأن زيارتها إلى الأردن لن تتضمّن فعاليات إعلامية علنية. ووصفت الوزيرة دور الأردن في النزاع الإقليمي بأنه “بالغ الأهمية”، مشيدة بموقفه “التعاوني والبنّاء” خصوصًا في ملف اللاجئين.

وتستكمل الوزيرة جولتها يوم الإثنين بزيارة إلى القدس، حيث تلتقي وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر في جلسة رسمية يعقبها تصريح صحفي مشترك. أما يوم الثلاثاء، فمن المقرر أن تزور مناطق في الضفة الغربية، وتلتقي الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ.

زيارة ثقافية وميدانية في القاهرة

ضمن برنامج الزيارة في مصر، زارت ماينل‑رايزينغر المتحف المصري الكبير، حيث قدّمت لها إيرين فورستنر-مولر، مديرة المعهد النمساوي للآثار، عرضاً حول مشاريع التعاون الأثري بين البلدين. كما قامت بجولة في منطقة الأهرامات، تأكيدًا على دعم النمسا للعلاقات الثقافية والتاريخية مع مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى