نقاش حاد في الحملة الانتخابية بفيينا حول أطفال “مخترقي النظام” وضرورة التدخل القسري

أشعلت إحصائيات وزارة الداخلية حول ارتفاع معدلات الجرائم بين القاصرين فتيل الجدل السياسي في فيينا، وسط دعوات لاتخاذ تدابير قسرية ضد الجانحين دون سن المسؤولية الجنائية

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، أثارت إحصائية جديدة نشرتها وزارة الداخلية النمساوية جدلاً واسعاً في الحملة الانتخابية الجارية لبلدية فيينا، بعدما كشفت عن ارتفاع ملحوظ في عدد الجرائم المرتكبة من قبل أطفال ومراهقين، وخاصة الفئة التي تقل أعمارها عن 14 عاماً، وهي فئة غير خاضعة للمساءلة الجنائية وفقاً للقانون النمساوي. وتصدرت هذه الأرقام الجدل السياسي، مع تزايد الأصوات المطالبة بفرض إجراءات احتجاز قسرية على الجانحين القُصّر الأكثر خطورة.

ارتفاع حاد في أرقام البلاغات ضد قُصّر

وفقاً للإحصائية، فإن عدد البلاغات المسجلة بحق مراهقين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاماً ارتفع بنسبة 4٪ مقارنة بعام 2023، ليبلغ نحو 34,800 بلاغ. أما الفئة العمرية بين 10 و14 عاماً – والتي تُعد غير خاضعة للعقاب الجنائي – فقد سجلت زيادة حادة بنسبة تقارب 25٪، مع ما يقارب 12,000 بلاغ خلال عام واحد فقط. وتشير الأرقام إلى أن 48٪ من المتورطين لا يحملون الجنسية النمساوية، وتتوزع النسبة الأعلى بينهم على رومانيين وألمان وسوريين.

“Systemsprenger”: قُصّر لا يمكن احتواؤهم

في قلب النقاش السياسي، تبرز فئة ما يُعرف بـ “مخترقي النظام – Systemsprenger”، وهو مصطلح مثير للجدل يُطلق على الأطفال الذين يرتكبون عدداً كبيراً من الجرائم دون أن تشملهم قوانين العقوبات بسبب أعمارهم. وقال ديتر تسيفان (Dieter Csefan)، رئيس وحدة مكافحة جرائم الشباب في المكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية، إن أكثر ثلاث حالات تطرف سلوكي بين القاصرين في فيينا ارتكبت معاً أكثر من 3,000 جريمة، وشكّلت هذه المجموعة وحدها نحو ثلث بلاغات السرقة من الممتلكات بين من هم دون سن 18 عاماً.

تفسيرات علم الاجتماع الجنائي

يرى الخبير في علم الاجتماع الجنائي هيرمان كوشي (Hermann Kuschej) من معهد الدراسات العليا (IHS)، أن هذا الاتجاه ليس محلياً فقط، بل يُعد اتجاهاً عالمياً ناتجاً عن تغييرات عميقة في التنشئة الاجتماعية، موضحاً أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تلعب دوراً في تشكيل الهوية والروابط الاجتماعية لدى الشباب، وتُيسر وصولهم إلى محتويات قد تعزز سلوكياتهم الخطرة.

من جهته، أكد توماس مارشيك (Thomas Marecek) من جمعية “Neustart” أن العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية، مثل العنف الأسري والفراغ اليومي، تساهم في انزلاق هؤلاء القاصرين نحو الإجرام.

جرائم صادمة وأحداث مثيرة للقلق

خلال العامين الماضيين، شهدت العاصمة النمساوية سلسلة من الحوادث المثيرة للقلق، من بينها اتهام مجموعة من القاصرين في حي ليزينغ (Liesing) باغتصاب وابتزاز شابة تبلغ من العمر 29 عاماً، بالإضافة إلى سرقة سيارات وعمليات اقتحام لصيدليات تقف خلفها عصابة مكوّنة من 60 إلى 70 طفلاً وشاباً. كما وقعت خلال الصيف مشاجرات عنيفة في حدائق فيينا بين مجموعات شبابية من أصول سورية وأفغانية وشيشانية، وقد أعلنت الشرطة لاحقاً أنها تمكنت من إلقاء القبض على قادة هذه الجماعات.

الدعوة إلى التدخل القسري

تصاعد الجدل السياسي حول كيفية التعامل مع القاصرين الجانحين الذين لا تشملهم المسؤولية الجنائية. دعا عمدة فيينا، ميخائيل لودفيغ (Michael Ludwig) من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ)، إلى تمكين السلطات من احتجاز هؤلاء القاصرين مؤقتاً داخل مراكز الرعاية الاجتماعية. وأكد أن احتجازهم يجب أن يكون ممكناً “لفترة مؤقتة” ضمن إطار العلاج الاجتماعي، داخل مساكن مخصصة تحت إشراف دائرة الشؤون الاجتماعية للأطفال والشباب (MA11).

بدورها، طالبت نائبة العمدة بيتينا إميرلينغ (Bettina Emmerling) من حزب NEOS بإنشاء مراكز تربوية خاصة للأطفال القُصّر شديدي الخطورة، على أن تكون مصحوبة بخيار الاحتجاز المؤقت، وهو ما يتوافق مع برنامج الحكومة الائتلافية الفيدرالية الحالية بين أحزاب ÖVP وSPÖ وNEOS.

تحفظات وانتقادات

لكن هذه الخطط لم تمر دون انتقاد، حيث وصفت مرشحة حزب الخضر في فيينا، يوديت بيورينغر (Judith Pühringer)، هذه التوجهات بأنها “خرق واضح لحقوق الطفل”. أما حزب الحرية (FPÖ) فطالب بخفض سن المسؤولية الجنائية إلى 12 عاماً، مع دعوات من رئيس فرع الحزب في فيينا دومينيك نييب (Dominik Nepp) لترحيل “الأجانب المجرمين”، حسب تعبيره.

تحديات قانونية

من الناحية القانونية، يتطلب تفعيل مراكز الاحتجاز المقترحة تعديلاً في قانون الإقامة في المؤسسات (Heimaufenthaltsgesetz)، وهو القانون الذي ينظم ظروف تقييد الحرية للأشخاص في دور رعاية المسنين أو المصابين بأمراض نفسية. ويقول الخبير القانوني كارل شتويغر (Karl Stöger) إن تقييد حرية أطفال أقل من 14 عاماً قد يكون دستوريًا إذا تم بطرق مشروعة، لكنه شكك في ملاءمة القانون الحالي لهذا الغرض.من جانبها، أكدت رئيسة MA11 إنغريد بوشمان (Ingrid Pöschmann) أن “تطوير مثل هذه المراكز المغلقة يتطلب تغييراً تشريعياً على المستوى الفيدرالي”، مؤكدة أن مثل هذا التعديل القانوني سيكون أساساً لبناء مفاهيم علاجية طويلة الأمد لهؤلاء الأطفال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى