نوروز: وقت للتجديد الأسرة والمجتمع
مقال لـ د. زياد الخطيب
فيينا – INFOGRAT:
كل عام، مع انتهاء الشتاء وبداية الربيع، يحتفل الملايين حول العالم بعيد نوروز، والذي يعني “يوم جديد”. هذا العيد المبهج يمثل بداية العام الجديد في العديد من الثقافات، وخاصة في إيران وآسيا الوسطى وبين المجتمعات الكردية. إنه وقت تجتمع فيه العائلات، يتشاركون الطعام، ويرحبون ببداية جديدة. يرى الناس في هذا العيد رمزًا للتجديد، تمامًا كما تتفتح الأزهار بعد شهور البرد.

بروفيسور مشارك في الصحة
العالمية مقيم في فيينا
بالنسبة للبهائيين، نوروز ليس مجرد احتفال بتجدد الطبيعة، بل هو أيضًا مناسبة روحية. يأتي بعد الصيام البهائي، وهي فترة تدوم 19 يومًا يمتنع خلالها البهائيون عن الطعام والشراب من شروق الشمس إلى غروبها. خلال هذا الوقت، يركزون على الصلاة والتأمل وتحسين أنفسهم. نوروز هو بمثابة مكافأة على هذا الجهد—فرصة لبدء حياة جديدة بقلب نقي وعقل صافٍ. كما يذكّر البهائيين بأن كل يوم هو فرصة جديدة للنمو الروحي والمساهمة في تحسين العالم.
دور الأسرة في بناء مجتمع أفضل
إحدى أهم الأفكار في الدين البهائي هي أن الأسر القوية تساهم في بناء مجتمعات قوية. فقد كتبت الجامعة البهائية العالمية، وهي الهيئة الإدارية العليا للمجتمع البهائي، رسالة حديثة حول هذا الموضوع، جاء فيها أن “الأسرة هي أساس المجتمع”. بمعنى آخر، إذا كانت الأسر متماسكة ومليئة بالحب والوحدة، فإن الأحياء والمدن وحتى الأمم كلها ستصبح أماكن أفضل للحياة.
لكن ما الذي يجعل الأسرة قوية؟
وفقًا للتعاليم البهائية، يجب أن يعامل أفراد الأسرة بعضهم البعض بالحب والعدل والاحترام. فالزواج ليس مجرد علاقة بين شخصين، بل هو شراكة تساعد كلاً منهما على النمو وخدمة الإنسانية. وتذكر الكتابات البهائية أن “الزوج والزوجة يجب أن يكونا كروح واحدة في جسدين”. إنهما يدعمان بعضهما البعض، ويربيان أطفالًا يتمتعون بالقيم النبيلة، ويخلقان منزلًا مليئًا بالسلام والمحبة.
الأطفال أيضًا يلعبون دورًا مهمًا في الأسرة. فالوالدان هما أول معلميهم، ليس فقط في المواد الدراسية، بل في الحياة. إنهم يساعدون أطفالهم على تطوير صفات مثل الصدق والكرم والشعور بالمسؤولية. يجب أن يكون المنزل مكانًا يتعلم فيه الأطفال حب الآخرين، والعمل الجاد، والمساهمة في مجتمعهم. وكما أوضحت الجامعة البهائية العالمية، فإن “المحبة والرعاية والثقة التي يتعلمها الأطفال في الأسرة تنتشر إلى المجتمع بأكمله.”
نوروز: وقت لتعزيز الأسر والمجتمعات
كما أن نوروز هو وقت بدء حياة جديدة، فهو أيضًا فرصة لتعزيز روابط الأسرة. يؤمن البهائيون بأنه عندما تكون الأسرة متحدة، فإنها يمكن أن تساعد في بناء عالم أكثر عدلًا وسلامًا. اليوم، تواجه المجتمعات العديد من التحديات مثل النزاعات والظلم والأنانية. لكن التعاليم البهائية تذكرنا بأن التغيير الحقيقي يبدأ من المنزل. عندما تمارس الأسر قيم المحبة والعدل والخدمة، فإن هذه القيم تنتشر في المجتمع كله.
في أثناء احتفالنا بـالنوروز، دعونا نتذكر أن كل يوم جديد هو فرصة لنكون أشخاصًا أفضل—أكثر محبة، وأكثر صبرًا، وأكثر تعاونًا مع من حولنا. يمكن للأسرة السعيدة والمترابطة أن تكون مصدر إلهام للآخرين، تمامًا مثل الشمعة التي تضيء غرفة مظلمة.
وقد قال عبد البهاء، أحد الشخصيات المركزية في الدين البهائي: “إن بيتي هو بيت السلام؛ بيتي هو بيت الفرح والسرور.” في هذا النوروز، دعونا نحاول أن نجعل منازلنا أماكن مليئة بالحب والنور، حيث يشعر الجميع بالترحيب، ونعمل جميعًا معًا لبناء عالم أفضل.
عيد نوروز سعيد!



