وصف المدون

اليوم

د ب أ - فيينا:
تصدرت أخبار التوترات ذات الصلة بأوكرانيا العناوين خلال الفترة الماضية، ولم يخلُ الأمر من تلويحات وتهديدات بعقوبات، وتلويحات وتهديدات مضادة.
SERGEI ILYAN/AP
وقبل أسبوع، اجتمع مسؤولون رفيعو المستوى داخل مقر حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل لوضع تصورات لما لا يمكن تصوره: ماذا سيحدث لأوروبا إذا ما أوقفت روسيا تدفق الغاز الطبيعي في اتجاه الغرب؟

وتشتري أوروبا كل يوم ما يقرب من 40% من استهلاكها من الغاز من شركة «غازبروم» العملاقة المملوكة للدولة الروسية. وفي عام 1968، أصبحت النمسا أول دولة في أوروبا الغربية توقع عقدا لشراء الغاز الروسي. ومنذ ذلك الحين، صمدت تجارة الغاز في وجه مختلف الاضطرابات السياسية والاقتصادية، بما في ذلك الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي.

إلا أن المحلل الاقتصادي خافيير بلاس لفت في مقال رأي لوكالة بلومبرغ للأنباء إلى أن خطر اندلاع صراع عسكري في أوكرانيا حوّل الغاز الطبيعي قد يقود إلى اضطراب شامل.

ومؤخراً تراجعت تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل حاد بالمقارنة بما كانت عليه في الماضي، وفي بعض الأحيان وصل التراجع لنحو 30% من متوسط التدفقات للأعوام الخمسة الماضية.

وتصر «غازبروم» على أنها تفي بالعقود طويلة الأجل مع الجهات الأوروبية. وقد جنت الشركة العام الماضي 1.8 تريليون روبل (أكثر من 23 مليار دولار) من مبيعاتها لأوروبا – أي نحو 10% من إجمالي صادرات روسيا، وفقا لبيانات «صندوق النقد الدولي».

إلا أن الواقع يقول أن الشركة خرجت عن المعتاد، ولم تملأ منشآت التخزين الأوروبية. كما أنها لم تعد تبيع غازاً إضافياً عبر السوق الفورية.

وهكذا تراجعت مخزونات الغاز الأوروبية إلى أقل من 40% من السعة المتاحة، وهو أدنى مستوى على الإطلاق لمثل هذا الوقت من العام. ولحسن الحظ نجا الأوروبيون من الوقوع في براثن أزمة حادة للغاز بفضل الطقس المعتدل على غير المعتاد هذا الشتاء حتى الآن.

وأشار بلاس إلى أن هناك سيناريوهين رئيسيين: الأول يمكن احتواؤه، بينما الثاني كارثي.

فإذا ما غزت روسيا أوكرانيا، قد يتعطل الغاز بسبب الأعمال العسكرية بطريقة أو بأخرى- ربما حتى بطريق الخطأ إذا ما تم ضرب خطوط الأنابيب أو غيرها من البنى التحتية.

لكن إذا ما كانت العملية خاطفة وحققت موسكو أهدافها منها بسرعة، قد تكون أوروبا قادرة على تحمل حتى الأضرار المادية التي تلحق بخطوط الأنابيب في أوكرانيا.

وفيما يتعلق بهذا السيناريو، لفت الكاتب إلى أن الطرق الجديدة لنقل الغاز أدت إلى تقليل أهمية أوكرانيا. فقبل عقدين من الزمن، كانت أوكرانيا نقطةً لعبور نحو 125 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أنحاء أوروبا. إلا أن التدفقات تراجعت في العام الماضي بنسبة 65% إلى أقل من 42 مليار متر مكعب. وهذه الكمية لا تزال كبيرة بالفعل، إلا أنها لم تعد كما كانت.

وأوضح أن أوكرانيا لم تعد نقطة عبور رئيسية للغاز الروسي إلى ألمانيا وست دول أخرى. وهي أمس مهمة فقط لسلوفاكيا والنمسا وإيطاليا.

وبهذا، تكون أوروبا في وضع أفضل بكثي، ويمكنها تحمّل الأمر إذا ما توقف الغاز المار عبر أوكرانيا فقط. ولفترة محدودة، يمكن أن تتعامل أوروبا مع وقف التدفق عبر أوكرانيا من خلال زيادة الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي المُسال، وسحب المزيد من المخزون. وبطبيعة الحال، فإذا ظل الطقس معتدلا، فسيكون الطلب عند معدلات أقل.

ويفترض هذا الطرح أن تعيد موسكو توجيه الإمدادات بعيداً عن العبور من أوكرانيا باستخدام خطوط أنابيب أخرى، وأن تواصل إرسال الغاز إلى أوروبا.

إلا أن فرضية الوقف الكامل للإمدادات على مستوى القارة أمر مختلف تماماً.

ولفت بلاس إلى أنه عندما بحثت الجهات التنظيمية في أوروبا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي الاضطرابات المحتملة لإمدادات الغاز، قاموا بتحليل 19 سيناريو مع مختلف الاحتمالات. إلا أنهم لم يفكروا فيما قد يحدث إذا ما توقفت التدفقات الروسية بالكلية.
لماذا؟ لأنه ليس سيناريو غير مقبول، وفعليا، لأنه لا توجد حلول بديلة.

وإذا ما حدث ذلك، فإن القارة لن تجد سبيلاً يحميها من تداعيات اقتصادية لا يمكن تصورها وتعطل واسع للأنشطة.

ويقول دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون أنهم يطرقون جميع الأبواب للحصول على إمدادات غاز إضافية. وسيؤدي هذا بالطبع لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المُسال بشكل كبير، لدرجة أن بعض الدول النامية في آسيا مثل باكستان وبنغلاديش لن تكون قادرة على شرائه. وسيؤدي تحويل الشحنات إلى أوروبا إلى شُحٍّ في آسيا. وبعد كل هذا، لن نستطيع أوروبا إلا تأمين ما يعادل ثلثي الإمدادات الروسية، على أفضل تقدير.

ولفت بلاس إلى أن أوروبا قد تواجه تحدياً أكثر صعوبة، وهو ضخ هذا الغاز المُسال في نظام التوزيع عبر القارة. وتوجد ثُلث القدرة الأوروبية لتغييز الغاز المُسال في إسبانيا، التي لا يوجد بها إلا خط أنابيب صغير يربطها ببقية القارة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد في ألمانيا مصنع واحد لإعادة تغييز الغاز المُسال (أي إعادته إلى حالته الأصلية).

وفي حالة الوقف الكامل، سترتفع أسعار الغاز بشكل كبير، يجعل اعتبار الارتفاعات القياسية التي سُجلت في كانون الأول/ديسمبر أمراً بسيطاً. وقد يصل الارتفاع إلى خمسة أضعاف أو حتى عشرة أضعاف. وبالطبع لا ترغب أوروبا في ذلك، لكن هل سيفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟.

وكتب بلاس «أشك في هذا. فالرئيس الروسي يفضل أن تبقى أوروبا مرتبطة اقتصاديا بالغاز الروسي إلى الأبد. وبالنسبة لموسكو، تعني السيطرة على الصمامات التأثير الجيوسياسي في أوروبا. كما أن التلويح بالقدرة على إيقاف الغاز تخدم أغراض الكرملين أكثر، عندما تظل في خانة التهديد وليس الواقع.

فالغاز يمكن أن يلعب نفس الدور الذي تلعبه الأسلحة النووية في الحروب التقليدية: التدمير المتبادل المؤكد. وإذا اختارت روسيا استخدام الغاز كسلاح، فإن أوروبا ستقلب الدنيا رأساً على عقب في السنوات المقبلة لضمان عدم الاعتماد أبدا مرة أخرى على «غازبروم» للحصول على أي غاز. ولهذا سيظل بوتين يلوح باستخدام الغاز بشكل طفيف كسلاح- وسيقيّد الإمدادات، ولن يقطعها.

وأضاف بلاس «هذا مصدر نفوذه، وإذا ما ذهب بوتين بعيداً في استغلال الغاز، فسيكون مستقبل روسيا نفسها في خطر. فالغاز سلاح تكمن فعاليته، مثله مثل الأسلحة النووية، في عدم استخدامه مطلقاً».
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button