43% من ناخبي فيينا في خمسة أحياء فقط.. ثقل انتخابي يعيد تشكيل الحملات

شهدت العاصمة النمساوية فيينا، حيث ستُجرى الانتخابات البلدية في السابع والعشرين من أبريل، تصاعداً في حدة الحملات الانتخابية، لا سيما في المناطق الخارجية الواسعة للمدينة، إذ تحولت إلى ساحة تنافس شديدة بين الأحزاب السياسية، وخصوصاً بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي النمساوي (SPÖ) وحزب الحرية اليميني (FPÖ).

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، فقد أصبح واضحاً أن الكتلة التصويتية الأكبر لا تقطن في الأحياء الداخلية للعاصمة، بل في الأحياء الكبيرة والواسعة مثل Donaustadt، Floridsdorf، Favoriten، Liesing وSimmering، حيث تتركز الكثافة السكانية الأعلى في فيينا، ووفقاً لآخر الإحصاءات السكانية المعتمدة، يعيش في هذه الأحياء الخمسة حوالي 860,000 نسمة، ما يعادل أكثر من 40 في المئة من سكان العاصمة، وتضم هذه المناطق نحو 43 في المئة من إجمالي عدد الناخبين، أي ما يقارب 481,000 ناخب من أصل مجموع سكان المدينة البالغين.

الكثافة السكانية والتفاوت في نسب التصويت

ورغم الاعتقاد السائد بأن نسبة حاملي الجنسيات غير النمساوية ـ غير المؤهلين للتصويت ـ أعلى في هذه المناطق، فإن الأرقام تعكس صورة مغايرة، حيث تصل نسبة المؤهلين للتصويت في هذه الأحياء إلى 67 في المئة، وهي نسبة أعلى من المتوسط العام في المدينة الذي يبلغ 65 في المئة، إلا أن بعض الأحياء مثل Favoriten تعاني من فجوة واضحة، حيث لا يتجاوز نسبة من يحق لهم التصويت 56 في المئة.

ثقل انتخابي يُعيد رسم الاستراتيجيات الحزبية

وتحظى هذه المناطق بأهمية قصوى في حسابات الأحزاب، إذ تشكل خزاناً انتخابياً ضخماً، يركز عليه كل من SPÖ وFPÖ بشكل خاص، ووفقاً للخبير في شؤون الانتخابات كريستوف هوفينغر (Christoph Hofinger) من مؤسسة Foresight، فإن نتائج انتخابات 2015 أكثر تعبيراً عن التوجهات الفعلية مقارنة بنتائج 2020، التي تأثرت بفضيحة “إيبيزا” التي ضربت حزب FPÖ وتسببت في تراجعه الحاد إلى نسبة سبعة في المئة فقط، في المقابل، حقق الحزب عام 2015 نسبة 30.8 في المئة، وتصدر النتائج في أحياء مثل Simmering وFloridsdorf، حيث حصد ما نسبته 51.9 في المئة من أصواته من الأحياء الخمسة الكبرى.

وفي تلك الدورة، أصبح Paul Stadler أول رئيس حي تابع لحزب FPÖ في Simmering، بينما ظلت الأحزاب الأخرى، مثل حزب الخضر (Die Grünen)، تحقق نسباً متواضعة، إذ لم تتجاوز حصتها في هذه المناطق ربع إجمالي أصواتها.

الانتخابات السابقة: تبدل في الولاءات الحزبية

في انتخابات 2020، تمكن حزب الشعب النمساوي (ÖVP) من سد الفراغ الذي خلفه تراجع FPÖ، واستطاع جذب الناخبين من خلال تبني مواضيع كان يختص بها الأخير، مثل الهجرة والأمن. وبرزت مناطق مثل Liesing، Floridsdorf وFavoriten كبؤر انتخابية جديدة لصالح حزب ÖVP.

صراع رئيسي في قلب الأحياء الخارجية

وتُظهر استطلاعات الرأي الحالية عودة FPÖ إلى المركز الثاني بعد SPÖ، ما يعني أن الاشتباك السياسي سيتركز في هذه المناطق الخارجية، حيث تجد الأحزاب الكبرى قواعدها التقليدية، مثل العمال والأشخاص غير الحاصلين على شهادة “ماتورا” (شهادة الثانوية العامة) وتُعد Floridsdorf نموذجاً دالاً، إذ حصل فيه FPÖ على أعلى نسبة أصوات في الانتخابات التشريعية الوطنية الأخيرة.

في المقابل، بدأت أحزاب مثل NEOS والخضر تجد موطئ قدم في هذه الأحياء، بفضل الهجرة السكانية إلى أطراف المدينة ومشروعات التطوير الحضري الجديدة، مثل Sonnwendviertel في حي Favoriten، حيث حصل الخضر على 19.4 في المئة وNEOS على 14.2 في المئة من الأصوات.

التعددية الاجتماعية والجغرافية تعقّد الرسائل الانتخابية

لكن التحدي الأكبر في هذه الأحياء لا يتمثل فقط في حجمها، بل في تنوعها الاجتماعي والعمراني، ما يجعل إيصال رسالة سياسية موحدة أمراً شبه مستحيل. ففي Liesing مثلاً، تتجاور الفلل الراقية في Mauer مع مشروعات الإسكان الحديثة في Atzgersdorf، إلى جانب Wohnpark Alt-Erlaa، ومناطق تضم مباني بلدية وأخرى تحتوي منازل فردية.

ويُعد التفاوت في شبكات النقل العام (Öffi) وخدمات التزويد المحلي عاملاً إضافياً يؤثر في مستوى الرضا لدى السكان، مما يتطلب خطاباً انتخابياً مفصلاً يراعي خصائص كل جزء من الحي، بحسب ما أوضحه عالم السياسة بيتر فيلتسماير (Peter Filzmaier).

العمل الميداني بدل الإعلانات

وقال فيلتسماير إن الحملات الانتخابية في المناطق الخارجية تتطلب عملاً ميدانياً مكثفاً، مثل الطرق على الأبواب، وهو أمر قد يكون قابلاً للتطبيق في الأحياء الداخلية، لكنه شبه مستحيل في حي يضم 200,000 نسمة. وأضاف أن هذه الظروف تدفع الأحزاب إلى إدارة “حملات انتخابية متوازية”، حيث تراقب بدقة أداءها في كل دائرة انتخابية فرعية (Sprengel) وتعيد توجيه مواردها بناء على ذلك.

التنافس المحلي مفتاح الفوز

ولأن التصويت يوم الانتخابات يشمل اختيار كل من المجلس البلدي ومجالس الأحياء، فقد تنشأ مفارقات انتخابية، حيث يمنح الناخب صوته لحزبين مختلفين في الاستحقاقين. ويؤدي هذا إلى انفصال استراتيجي بين الأحزاب الأم ومنظماتها المحلية، ما قد يدفع بعض السياسيين المحليين إلى التركيز على حملاتهم الشخصية، وتقديم الحد الأدنى من الدعم لحملات الحزب الرئيسية.

ويشير فيلتسماير إلى أن هذه الظاهرة قد تكون حاسمة في تحديد اللون السياسي لأحياء مثل Floridsdorf وSimmering، ما يعزز طابعها كمؤشر سياسي على التوجهات العامة في فيينا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى