75 عاماً على إلغاء عقوبة الإعدام في النمسا.. تذكير بأيام “مشنقة الخنق” الأخيرة

فييناINFOGRAT:

احتفلت النمسا هذا العام بمرور 75 عاماً على إلغاء عقوبة الإعدام في الإجراءات القضائية العادية، بعد فترة وجيزة من تنفيذ آخر حكم إعدام في البلاد، والذي طال المدان بالقتل والسطو Johann Trnka في 24 مارس 1950. وتم تنفيذ الإعدام باستخدام “مشنقة الخنق” (Würgegalgen)، وهي طريقة نمساوية خاصة في التنفيذ تعود أصولها إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية (Donaumonarchie). وعلى الرغم من أن الدعاية في الحرب العالمية الأولى جعلت من هذه المشنقة رمزاً للقمع في عهد هابسبورغ، إلا أن النمسا استمرت في استخدام هذه الطريقة في الإعدام حتى في “الدولة النقابية” (Ständestaat) و”الجمهورية الثانية”، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).

وكشفت نتائج الاستقصاءات في التاريخ النمساوي أن عقوبة الإعدام أُلغيت رسمياً في النمسا في 24 مايو 1950 في القضايا العادية. أما الإلغاء الكامل الذي يشمل الإجراءات العسكرية بموجب الأحكام العرفية، فقد تأخر حتى مطلع عام 1968 بصدور نص دستوري بهذا الشأن.

“كدت أن أُشنق عليها”

يمكن لمن يرغب في تتبع تاريخ تطبيق عقوبة الإعدام في النمسا زيارة “متحف الجريمة في فيينا” (Wiener Kriminalmuseum). ويتذكر Harald Seyrl، مدير المتحف، مشهداً قديماً لأحد الزوار يقف متأملاً أمام قطعة معروضة هي عبارة عن عمود قائم ذي أربع زوايا يعلوه خطاف معدني، وسأله عن سر افتتانه بالقطعة، ليجيبه الزائر: “على هذه المشنقة، كما تعلم، كدت أن أُشنق أنا نفسي”. وكان هذا الزائر هو Julius Kausel، الذي اتُّهم خطأً في عام 1949 بقتل سيدة الأعمال في مجال النسيج Blanche Mandler. وهُدد Kausel بالإعدام على مشنقة الخنق أثناء احتجازه، وهي ذات الآلية التي كان يتأملها بعد عقود في المتحف.

وعلى عكس “المشنقة الإنجليزية” التي كان يسقط فيها المدان ليموت سريعاً بكسر الرقبة، فإن “مشنقة الخنق” النمساوية تؤدي إلى خنق المدان بالتدريج بواسطة حبل. ومنذ عام 1876، أصبحت هذه الطريقة هي الأسلوب الرسمي لتنفيذ أحكام الإعدام في النمسا، واستُخدمت في الإمبراطورية النمساوية المجرية و”الدولة النقابية” ثم “الجمهورية الثانية”.

طريقة “إنسانية” وتحول الجلاد إلى موظف دولة

في طريقة “مشنقة الخنق”، كان مساعدان يرفعان المدان بينما يقوم الجلاد، الذي يقف خلف العمود، بلف الحبل حول عنقه. وبأمر من السلطة، كان يتم سحب المدان للأسفل ليُخنق. ورغم قسوتها، كانت هذه الطريقة تُعتبر “إنسانية بشكل خاص” في ذلك الوقت. حتى أن Josef Lang، آخر جلاد في الإمبراطورية النمساوية المجرية، زعم أن الموت على مشنقة الخنق “لا يسبب أدنى ألم”.

ويُعدّ تطوير مشنقة الخنق النمساوية نتيجة للسعي لتحويل عقوبة الإعدام من “مشهد عام” إلى “إجراء رسمي رصين”. فبعد أن كانت عمليات الإعدام تُنظَّم كمسرحيات عامة في العصور الوسطى وعصر الحداثة المبكرة، بهدف الردع واستعادة النظام، تحول دور الجلاد ليصبح موظفاً حكومياً. وقد جرى آخر إعدام علني في النمسا عام 1868 على مشنقة خنق، ومنذ سبعينيات القرن التاسع عشر، أصبحت الإعدامات تتم بعيداً عن أعين الجمهور.

العودة إلى المشهدية في الحرب العالمية الأولى

عادت الإعدامات كـ “مشهد” مرة أخرى خلال الحرب العالمية الأولى، حيث شهدت صربيا إعدامات جماعية علنية باستخدام مشنقة الخنق النمساوية، شملت العديد من المدنيين. ومن أشهر الحوادث الصورة التي أظهرت إعدام Cesare Battisti، القومي الإيطالي الذي أُعدم شنقاً بتهمة الخيانة العظمى بواسطة الجلاد Lang الذي أُرسل خصيصاً من فيينا. ورغم أن صور Battisti على المشنقة نُشرت بهدف الردع، إلا أن مدير المتحف Seyrl قال إنها “جاءت بنتيجة عكسية”، لأن الصورة التي يظهر فيها Lang مبتسماً خلف Battisti المعلق عززت الاستياء ضد سلالة هابسبورغ.

بعد انتهاء الإمبراطورية النمساوية المجرية، أُلغيت عقوبة الإعدام، لكنها أُعيدت عبر المحاكم العرفية في “الدولة النقابية” عام 1933. ثم اعتمدت “الجمهورية الثانية” تشريعات “الجمهورية الأولى”، ما كان يعني إلغاء العقوبة تلقائياً. غير أنه تم تعليق الإلغاء بسبب محاكمة مجرمي النازية وارتفاع معدلات الجريمة في النمسا بعد الحرب، وتم تنفيذ 43 حكم إعدام، بنفس الطريقة. وفي 24 مارس 1950، أُعدم آخر مدان على مشنقة الخنق. وبعد شهرين من إعدام القاتل والسارق Trnka، أُلغيت العقوبة في الإجراءات العادية.

وفي 29 فبراير 1968، دخلت المادة 85 من القانون الدستوري الفيدرالي حيز التنفيذ، والتي تتضمن جملة قصيرة وحاسمة: “عقوبة الإعدام مُلغاة”.

مباشر لأحدث القصص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى