77% من سكان النمسا ضمن الطبقة المتوسطة رغم الأزمات والشباب والعائلات هم أكثر المتضررين

أكد تقرير جديد أن نسبة من يُصنفون ضمن “الطبقة المتوسطة” في النمسا بقيت مستقرة عند 77% من السكان رغم الأزمات المتتالية، مثل جائحة كورونا وارتفاع تكاليف المعيشة، إلا أن التغيّر الأبرز طال تركيبة هذه الطبقة، إذ باتت مجموعات معينة، خصوصاً الشباب والأسر ذات الدخل الوحيد، تعاني ضغوطاً متزايدة، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).

أظهرت بيانات تقرير EU-SILC لعام 2023، الذي يقيس مستويات الدخل وظروف المعيشة في أوروبا، أن نحو 6.9 ملايين شخص، أي ما يعادل 77% من سكان النمسا، يصنّفون ضمن الطبقة المتوسطة. وهي نسبة قريبة من مستوى عام 2004، حين بلغت 78.9%. ومع ذلك، تُثار تساؤلات متكررة حول ما إذا كانت هذه الطبقة في تراجع.

تعريف الطبقة المتوسطة

توضح الخبيرة الاقتصادية Silvia Rocha-Akis من معهد البحوث الاقتصادية في النمسا (WIFO) أن تفسير هذه الأرقام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتعريف “الطبقة المتوسطة”. وبحسب الدراسة، يُصنف ضمن هذه الطبقة كل من يبلغ دخله الصافي (بعد الضرائب والاقتطاعات) ما بين 60% و180% من متوسط الدخل السنوي، الذي بلغ عام 2024 نحو 48.303 يورو. ويشمل الدخل هنا ليس فقط الأجور بل أيضاً المعاشات والمساعدات الاجتماعية والعوائد الرأسمالية، دون احتساب الثروات كالعقارات.

بحسب هذه المعايير، فإن:

  • شخصاً واحداً يعد ضمن الطبقة المتوسطة إذا كان دخله الشهري بين 1.660 و4.980 يورو.
  • زوجان: من 2.490 إلى 7.480 يورو.
  • عائلة من أب وأم وطفلين: من 3.488 إلى 10.460 يورو.

أما الأسر التي تقع تحت عتبة 60% فتُعد فقيرة أو مهددة بالفقر، ويبلغ عدد أفرادها في النمسا حوالي 1.3 مليون شخص. في حين يُعد نحو 782.000 شخص من ذوي الدخول المرتفعة (فوق 180%).

لماذا الشعور بالانحدار رغم الاستقرار النسبي؟

تُبين Rocha-Akis أن الإحصاءات تغفل جانباً مهماً، وهو نفقات المعيشة، التي ارتفعت بوتيرة أسرع من الدخول في السنوات الأخيرة. وتشمل هذه النفقات السكن والطاقة والغذاء والتعليم والصحة. وتقول:

“هذا الشعور بعدم الاستقرار الاقتصادي وزيادة التفاوت يعكس حقيقة أن الحياة أصبحت أكثر كلفة للأسر المتوسطة، رغم أن التوزيع الإحصائي للدخل لم يتغير كثيراً.”

وتضيف أن تطلعات الطبقة الوسطى، خصوصاً ما يمكن تحقيقه من دخل مقابل مستوى تعليم معين، لم تعد واقعية كما في السابق، مما يعزز الشعور بالتراجع.

تغيّر تركيبة الطبقة المتوسطة

تشير الخبيرة إلى أن الشباب والأسر ذات الدخل الوحيد (غالباً الأمهات) أصبحوا أكثر عرضة للانزلاق إلى الطبقة الدنيا. وتبيّن البيانات أن:

  • الأسر التي يكون ربّها تحت سن 35 عاماً، خصوصاً إذا كانت لديها أطفال، أصبحت تمثل نسبة أكبر في شريحة الدخل المنخفض.
  • تزايد عدد الأسر المؤلفة من شخص واحد وكذلك السكان في المدن الكبرى، وهما مجموعتان تتناقص فيهما نسبة من ينتمون للطبقة المتوسطة.

وفيما يتعلق بالأسر التي لديها أطفال، فإن الارتباط بين العمل ورعاية الأطفال يُعد من أبرز التحديات، لا سيما أن عبء الرعاية لا يزال يقع في الغالب على النساء. لذا تُعد خدمات الرعاية والتعليم عالية الجودة وبأسعار مناسبة من العوامل الحاسمة لضمان استقرار هذه الأسر ضمن الطبقة المتوسطة.

كبار السن يعوّضون التراجع

بالرغم من تراجع بعض الفئات، فإن ازدياد عدد كبار السن العاملين والذين يتمتعون بدخول ثابتة نسبياً، ساعد في توازن التركيبة العامة للطبقة المتوسطة. كما أن نسبة النساء العاملات بين كبار السن ارتفعت، ما أدى إلى زيادة عدد الأزواج ذوي الدخلين أو المعاشين.

في الوقت نفسه، أدّى الاتجاه نحو رفع مستوى التأهيل الأكاديمي إلى تأخر دخول الشباب سوق العمل، وزيادة فترات التوظيف غير المستقرة. وهو ما أدى إلى تأخير تكوين الثروة الشخصية، مثل امتلاك منزل، مقارنةً بالأجيال السابقة.

وتظهر بيانات Statistik Austria أن نسبة تملك المنازل انخفضت من 50.3% عام 2004 إلى 47.9% عام 2024، مما يعكس هذه الصعوبات.

مقارنة مع ألمانيا

تُظهر التجربة الألمانية أن الطبقة المتوسطة قد تتعرض فعلاً للتآكل. فقد انخفضت نسبتها من 70% عام 1995 إلى 64% عام 2018، وفقاً لدراسة مؤسسة Bertelsmann Stiftung. وقد وقع الجزء الأكبر من هذا التراجع حتى عام 2005، دون أن تستعيد الطبقة المتوسطة عافيتها منذ ذلك الحين.

دور الدولة والرعاية الاجتماعية

ترى Rocha-Akis أن الدولة الرفاهية وخدماتها – كالرعاية الصحية والتعليم المجاني – ضرورية لضمان استقرار الطبقة المتوسطة. لكنها تحذّر من تأثير حزمة التقشف الحكومية الأخيرة، والتي طالت الشرائح الدنيا والمتوسطة. وتشمل الإجراءات، على سبيل المثال:

  • إلغاء مكافأة المناخ (Klimabonus).
  • تجميد دعم الأسرة (Familienbeihilfe) وعدم رفعه بما يتماشى مع التضخم.

وختاماً، تشير إلى أن أثر هذه الإجراءات على الطبقة المتوسطة سيظهر خلال السنوات المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى