Der Standard: تقدم الفصائل السورية نحو حلب يعيد خلط الأوراق العسكرية في سوريا

فيينا – INFOGRAT:
تناولت الصحفية غودرون هارر في تحليل نشرته صحيفة “Der Standard” النمساوية في 30 نوفمبر 2024، تطورات الوضع العسكري في سوريا وتأثيرها على الصراع المستمر هناك. وقد أشارت الصحفية إلى أن فصائل مسلحة سورية استفادت من الظروف الراهنة لتكثيف هجماتها على مدينة حلب، وذلك بعد أن كانت مدينة حلب في السابق تحت سيطرة قوات الأسد، لكن الآن الفصائل المسلحة، التي انطلقت من منطقة إدلب السورية الواقعة تحت النفوذ التركي، تمكنت من التقدم إلى حلب بشكل مفاجئ. هذه الفصائل تحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من تركيا، وكان التقدم العسكري الذي حققته هذه الجماعات مفاجئًا لجميع الأطراف، بما في ذلك النظام السوري وحلفائه في روسيا.
وتقول الصحيفة إن من بين هذه الفصائل “هيئة تحرير الشام” (HTS)، التي تعتبر جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وهي مدرجة على قوائم الإرهاب في العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا. وتعتبر هذه الجماعة من بين القوى الأكثر تأثيرًا في الحملة العسكرية الحالية ضد نظام الأسد. ورغم أن “هيئة تحرير الشام” قد حاولت منذ سنوات أن تبتعد عن صفة الجماعة الجهادية المتطرفة وتسعى إلى تأسيس وجود سياسي أكبر في المنطقة، إلا أن مساعيها لم تنجح حتى الآن بشكل كامل.
الصحفية تذكر أنه رغم وجود بعض المجموعات التي تدعمها تركيا بشكل مباشر في هذه الهجمات، إلا أن روسيا والنظام السوري كانا في البداية مفاجئين من الهجوم الذي بدأ في مدينة حلب، وهو ما يشير إلى أن هذه الهجمات لم تكن متوقعة في ظل التحركات السياسية التي كانت تجري في الأشهر الأخيرة بين تركيا وسوريا. وفي منتصف نوفمبر 2024، كانت تركيا تأمل في تحسين علاقتها مع نظام الأسد، إذ كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتقد أن هناك فرصة لتسوية الأمور بين البلدين، وهو ما دفعه إلى تبني سياسة تصالحية تجاه دمشق. لكن الرئيس السوري بشار الأسد لم يظهر أي رغبة في التحاور مع أردوغان أو قبول مقترحاته، ويعود ذلك إلى التواجد التركي المستمر في بعض المناطق السورية، خاصة في إدلب، التي هي تحت سيطرة المتمردين المدعومين من تركيا.
أما فيما يتعلق بالتحركات العسكرية الحالية، فإن الهجوم الذي نفذته الفصائل المسلحة على حلب يعتبر جزءًا من جهد أكبر للوصول إلى منطقة أكبر من الأراضي السورية التي يمكن أن توفر لهم منطقة آمنة بعيدة عن سيطرة النظام السوري. فالمجموعات المسلحة تأمل في تعزيز موقفها العسكري والتمدد في مناطق أخرى مثل حلب، التي تعتبر بمثابة ساحة معركة كبيرة لها.
من جهة أخرى، استعرضت الصحفية الموقف العسكري الإيراني وحزب الله في سوريا، حيث أشار التقرير إلى أن حزب الله اللبناني قد تراجع بشكل كبير في قوته نتيجة لتورطه في الحرب مع إسرائيل، فضلاً عن الوضع الصعب الذي يواجهه في لبنان نتيجة للأزمات الاقتصادية والسياسية. كما أن إيران، التي كانت أحد أبرز داعمي نظام الأسد في السنوات الماضية، تواجه الآن تحديات داخلية وخارجية، مثل العقوبات الأمريكية والصراعات الإقليمية، ما أثر على قدرتها على تقديم الدعم العسكري الكبير كما في السابق.
ورغم الدعم الذي تقدمه إسرائيل للمجموعات المعارضة لنظام الأسد، فإن إسرائيل لا ترغب في رؤية جماعات متطرفة مثل “هيئة تحرير الشام” تسيطر على المزيد من الأراضي السورية. وهكذا، فإسرائيل قد تكون مترددة في دعم المعارضة السورية بشكل كامل، لأنها تخشى أن يؤدي ذلك إلى صعود جماعات أكثر تطرفًا تهدد استقرار المنطقة.
وفي هذا السياق، تبقى معاناة الشعب السوري في قلب هذه الديناميكيات العسكرية والسياسية. حيث يعيش المدنيون السوريون في حالة من الفوضى والمآسي المستمرة، وقد اضطر مئات الآلاف منهم إلى الفرار من سوريا إلى الدول المجاورة، خاصة لبنان، حيث يعيشون في ظروف مأساوية. ومع تفجر الصراع بين حزب الله وإسرائيل في لبنان، عاد العديد من هؤلاء اللاجئين السوريين إلى سوريا، أملاً في العثور على الأمان، رغم الوضع المعيشي الكارثي الذي يواجهونه في وطنهم.
وتشير الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالهجرة واللاجئين، يبذل جهدًا لتثبيت الاستقرار في سوريا، بغض النظر عن المواقف السياسية لنظام الأسد. يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق استقرار في سوريا لتقليل تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، وهو ما يتطلب، حسب تقديرات الاتحاد الأوروبي، تحسين الوضع الأمني والاقتصادي في سوريا، رغم أن ذلك قد يتطلب التنازل عن بعض المواقف السياسية في حال استمرار الأسد في السلطة. لكن الوضع السوري لا يزال يشهد تعقيدات كبيرة تجعل من الصعب تحقيق استقرار طويل الأمد، مما يهدد بإطالة معاناة الشعب السوري.