احتكار سوق الطاقة في النمسا يرفع الأسعار… والهيئات الرقابية تطالب بإصلاحات وتشريعات صارمة

أعلنت الهيئة الاتحادية للمنافسة (BWB) وهيئة تنظيم الطاقة في النمسا (E-Control)، يوم الثلاثاء، نتائج تقريرهما النهائي المشترك حول سوق الطاقة المحلي، مؤكّدتين أن السوق لا يزال بعيدًا عن تحقيق منافسة شاملة على المستوى الوطني، في ظل هيمنة اللاعبين التقليديين والغموض في تحديد الأسعار.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، جاء الإعلان في مؤتمر صحفي عُقد في فيينا، قدّمت خلاله مديرة الهيئة الاتحادية للمنافسة، ناتالي هارسدورف (Natalie Harsdorf)، ورئيس مجلس إدارة E-Control، فولفغانغ أوربانتشيشتش (Wolfgang Urbantschitsch)، النتائج الرئيسية لفريق العمل المشترك المعني بمراقبة سوق الطاقة، والذي بدأ عمله في يناير 2023 في أعقاب أزمة ارتفاع أسعار الطاقة.

وقالت هارسدورف إن المنافسة لا تزال غائبة رغم مرور 24 عامًا على تحرير السوق، مؤكدة أن الشركات التي كانت تحتكر السوق سابقًا لا تزال تسيطر عليه، وتعمل بشكل إقليمي بدلاً من التوسع الوطني، وهو ما تزايد خلال أزمة أسعار الطاقة في 2022 و2023، حيث انسحبت الشركات بشكل أوسع نحو مناطقها المحلية.

انهيار عدد كبير من مزودي الطاقة بسبب الأزمة

وبحسب أوربانتشيشتش، فقد بلغت الأسعار ذروتها بين نهاية 2022 ومنتصف 2023، قبل أن تبدأ في الانخفاض تدريجيًا. إلا أن عدد مزودي الطاقة تراجع بشكل كبير خلال الأزمة. ففي سوق الكهرباء، انخفض عدد الشركات من 55 إلى 37 مزودًا فقط، أي ما يعادل تراجعًا بنسبة الثلث تقريبًا مقارنة بعام 2021. أما في سوق الغاز، فقد انخفض العدد إلى 14 شركة فقط، أي ما يعادل نصف عدد الشركات السابقة.

هذا التراجع شمل أيضًا الشركات البديلة والمخفضة السعر، والتي انسحبت لصالح شركات الطاقة الكبرى، ما زاد من ضعف المنافسة وأثر سلبًا على خيارات المستهلكين.

ضعف إقبال المستهلكين على تغيير المزودين

وأشار التقرير إلى أن معدلات تغيير العقود من قبل المستهلكين في النمسا ضعيفة جدًا مقارنة بدول أخرى. ففي حين غيّر حوالي 18% من المستهلكين في إيطاليا مزود الكهرباء في 2024، لم تتجاوز هذه النسبة في النمسا 4.5% فقط، وهو ما ساهم في استمرار ارتفاع الأسعار.

ووصفت السلطات الوضع بأنه يعاني من “قدر كبير من عدم الشفافية والجمود”، حيث لا يبادر المستهلكون إلى البحث عن عروض أفضل.

ترابط الشركات الكبرى يقوّض المنافسة

واعتبرت هارسدورف أن أحد أبرز معوقات المنافسة هو “شبكة المصالح والتشابك المباشر وغير المباشر بين مزودي الطاقة”، مشيرة إلى علاقات الملكية المتبادلة بين شركات كبرى مثل Wien Energie، EVN، Wiener Stadtwerke، Burgenland Holding وNiederösterreichische Landesbeteiligungsholding.

ووصفت هارسدورف الوضع بأنه “صادم للغاية”، مؤكدة أنه لا يمكن تحقيق تحسّن مستدام في التنافسية دون معالجة هذه التشابكات. واقترحت مجموعة من التدابير، منها:

  • إلزام الشركات بالحصول على موافقة مسبقة قبل الدخول في مساهمات جديدة
  • فرض حدود قصوى على نسب التملك المتبادل
  • أو حتى حظر تام على المساهمات المتبادلة بين الشركات

الدعوة لاعتماد فاتورة شهرية للكهرباء

ومن بين التوصيات البارزة التي وردت في التقرير، التحول إلى نظام الفوترة الشهرية للكهرباء كإجراء معياري، وهي خطوة اعتبرها أوربانتشيشتش ضرورية لتعزيز الشفافية، مبدياً استغرابه من معارضة شركات الطاقة لذلك:

“من غير المفهوم لماذا تقاوم شركات الطاقة هذا الإجراء بشدة.”

ودعا إلى إدراج هذا الإجراء ضمن قانون تنظيم قطاع الكهرباء الجديد (ElWG)، مشيرًا إلى ضرورة إرساله إلى البرلمان للمصادقة عليه في أقرب وقت ممكن، بهدف تحقيق توازن عادل بين حقوق المستهلكين والشركات.

أرباح قياسية لشركات الطاقة

وأكد أوربانتشيشتش أن أزمة الطاقة لم ترفع الأسعار فحسب، بل أدت إلى مضاعفة أرباح شركات الطاقة، وهو ما يعكس اختلالًا في آليات السوق وضعف المنافسة. ودعت الهيئتان الجمهور إلى تغيير مزودي الكهرباء والغاز لتفعيل المنافسة، وتحفيز الشركات على تقديم عروض أفضل وخدمات محسّنة.

بدء تحقيقات جديدة في قطاع الطاقة

أعلنت هارسدورف أيضًا أن الهيئة ستبدأ، بعد انتهاء عمل فريق العمل، تحقيقات موسعة في قطاع الطاقة، تشمل إرسال طلبات معلومات إلى عدد كبير من الشركات، وذلك لتحليل الممارسات التجارية والمنافسة على نحو أكثر تفصيلًا.

ردود الأفعال السياسية والحزبية

الجهات السياسية عبّرت عن دعمها لتوصيات التقرير. فقد اعتبرت أحزاب المعارضة مثل FPÖ والخضر أن وزير الاقتصاد المسؤول عن ملف الطاقة، فولفغانغ هاتمانسدورفر (ÖVP)، مطالب الآن بالتحرك لصالح المستهلكين. أما حزب NEOS، الشريك الجديد في الحكومة، فقد وعد بتطبيق توصيات التقرير. من جانبها، رأت حزب SPÖ أن نتائج التقرير تؤكد انتقاداته السابقة لممارسات العديد من شركات الطاقة.

شركات الطاقة: لا داعي للتحرك

رفضت شركات الطاقة الانتقادات الواردة في التقرير، مشيرة إلى نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة Gallup، والتي أظهرت أن غالبية المستهلكين يعتبرون مزوديهم الحاليين موثوقين وفعّالين وودودين.

كما أكدت الشركات أن عدد العروض الجديدة عاد إلى ما يقارب مستويات ما قبل الأزمة، مشيرة إلى أن ذلك يمكن ملاحظته في مواقع مقارنة الأسعار، حيث تظهر عروض عديدة بأسعار تقل عن الحد المدعوم (10 سنت لكل كيلوات/ساعة).

موقع Durchblicker يؤكد إمكانية التوفير

من جانبه، أكد موقع مقارنة الأسعار Durchblicker أن عروضًا بأسعار منخفضة، بما في ذلك ضمانات أسعار، متوفرة في كل الولايات النمساوية، ودعا المستهلكين إلى الاستفادة من هذه الفرص لتوفير التكاليف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى