الحكومة النمساوية تقرّ حزمة تقاعدية جديدة تشمل نظام تقاعد جزئي وآلية استدامة للإنفاق
فيينا – INFOGRAT:
اتفقت الحكومة النمساوية على حزمة تقاعدية جديدة من المقرر إقرارها في المجلس الوطني خلال يوليو/تموز، وتتمثل أبرز عناصرها في إدخال ما يسمى بـ”التقاعد الجزئي” وآلية استدامة لتقييد الإنفاق التقاعدي في المستقبل.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، أعلنت الحكومة النمساوية توصلها إلى اتفاق بشأن حزمة إصلاحات تقاعدية جديدة سيتم التصويت عليها في المجلس الوطني في يوليو المقبل. وتتمحور هذه الحزمة حول إدخال “نظام التقاعد الجزئي” كخيار إضافي إلى جانب نظام “العمل الجزئي في سن الشيخوخة” (Altersteilzeit)، بما يتيح للأشخاص اعتبارًا من العام المقبل تقليص ساعات عملهم تدريجيًا مع إمكانية سحب جزء من مستحقاتهم التقاعدية المتراكمة. كما تنص الحزمة على تفعيل “آلية استدامة” (Nachhaltigkeitsmechanismus) ابتداءً من عام 2030، تُلزم الحكومة القادمة باتخاذ تدابير إضافية إذا لم تُحقق وفورات كافية في نظام التقاعد بحلول ذلك الوقت.
آلية الاستدامة: سقف قانوني صارم للإنفاق التقاعدي
وصف رئيس الكتلة البرلمانية لحزب NEOS، يانيك شتي (Yannick Shetty)، هذه الآلية خلال مؤتمر صحفي يوم الأربعاء بأنها “سقف قانوني صارم للإنفاق في نظام التقاعد”. ووفقًا لمشروع القانون الذي قُدم الأربعاء للمجلس الوطني، في حال عدم كفاية المدخرات بحلول عام 2030، فستُضطر الحكومة لاتخاذ تدابير إضافية من ضمنها: رفع عدد سنوات التأمين المطلوبة للتقاعد الجزئي المعروف بـ”Korridorpension” اعتبارًا من 1 يناير/كانون الثاني 2035، وذلك على مراحل نصف سنوية.
كما تتيح الآلية إمكانية تعديل معدل الاشتراكات، أو نسبة الحساب التقاعدي (Kontoprozentsatz) الذي يساهم في تحديد مقدار المعاش، أو سن التقاعد، أو آلية تعديل المعاشات، أو شروط الاستحقاق، وكلها بهدف خفض التكاليف.
ومن المتوقع أن تعادل هذه التدابير مجتمعة تأثير رفع سن التقاعد الفعلي بمقدار عام واحد، وهو ما يمثل تقليصًا في التكاليف بأقل من 2.5 مليار يورو، حسب تصريح شتي. ويُسمح بتجاوز بنسبة 0.5٪ من المسار المستهدف التراكمي وفقًا لما ورد في القانون. كما ستكون وزيرة الشؤون الاجتماعية ملزمة بتقديم تقرير سنوي إلى المجلس الوطني عن الضمان المستدام لنظام التقاعد.
التقاعد الجزئي: صيغة رابحة للدولة والموظفين
يتيح نظام التقاعد الجزئي للموظفين مواصلة العمل بدوام جزئي بعد وصولهم إلى سن التقاعد القانوني مع صرف جزء من معاشهم. ويمكن تقليص وقت العمل بنسبة تتراوح بين 25٪ و75٪، تبعًا لذلك يتقاضى الشخص جزءًا من مستحقاته المتراكمة ضمن حساب التقاعد كمكافأة مالية.
صرّح رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب (ÖVP)، أوغوست وويغينغر (August Wöginger)، بأن الكثيرين يرغبون في مغادرة سوق العمل تدريجيًا، وأن نظام التقاعد الجزئي يُتيح ذلك دون أي دعم حكومي مباشر، بينما يُستمر في دفع الضرائب والاشتراكات الاجتماعية، واصفًا الوضع بأنه “رابح-رابح” للدولة وللمعنيين.
التركيز على دعم كبار السن في سوق العمل
من جانبه، شدّد رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ)، فيليب كوخر (Philip Kucher)، على أهمية الإبقاء على العاملين، لاسيما كبار السن، في سوق العمل. وعبّر عن رفضه لخفض المعاشات أو رفع سن التقاعد القانوني. ومن التدابير الأخرى المخططة في الحزمة الجديدة: إنشاء نظام تحفيزي ورقابي لتشجيع التوظيف بدءًا من سن 60 عامًا، وتوسيع أماكن العمل المناسبة للعمر، وإجراءات وقائية للعمل الصحي في سن متقدم.
سيُدمج نظام “العمل الجزئي في سن الشيخوخة”، الذي يسمح بتقليص العمل بنسبة 40 إلى 60٪ مع تعويض الأجور، في نظام التقاعد الجزئي الجديد. وفي نهاية المطاف، لن يكون بالإمكان الاستفادة من الدعم المالي لتقليص العمل لمدة خمس سنوات كما هو الحال الآن، بل لمدة ثلاث سنوات فقط. وسيُطبّق هذا التعديل فقط في الحالات التي لا يكون فيها التقاعد الجزئي متاحًا أو لا توجد أهلية للتقاعد.
انتقادات حادة من حزب الحرية
وصفت المتحدثة الاجتماعية باسم حزب الحرية النمساوي (FPÖ)، داغمار بيلاكوفيتش (Dagmar Belakowitsch)، الإصلاح بأنه “قاسٍ اجتماعيًا”، مشيرة إلى أن آلية الاستدامة تُعد فعليًا “الخطوة الأولى نحو رفع سن التقاعد القانوني”، متهمة الحكومة بتمهيد الطريق لذلك.
النقابات ترحب بالتقاعد الجزئي وتطالب بالمزيد
من جانبها، اعتبرت الغرفة الفيدرالية للنقابات العمالية (ÖGB) التقاعد الجزئي “إنجازًا كبيرًا”، ووصفته المديرة التنفيذية هيلين شوبيرث (Helene Schuberth) بأنه “خيار مرن ومضمون اجتماعيًا لإبقاء الناس في سوق العمل لفترة أطول”. لكنها أكدت على ضرورة وجود حوافز أقوى لإبقاء العمال كبار السن في وظائفهم بصورة صحية ودائمة.
الصناعة تطالب بإصلاحات هيكلية
طالبت رابطة الصناعيين (Industriellenvereinigung – IV) بإجراء إصلاحات هيكلية غائبة حتى الآن، إلا أن أمينها العام كريستوف نوماير (Christoph Neumayer) أشار إلى أن “الخطوات مثل تقييد التقاعد الجزئي أو إدخال نظام التقاعد الجزئي، شريطة أن تكون قابلة للتطبيق عمليًا على الشركات، تحظى بالدعم”.
وزير الاقتصاد يشيد بالحزمة: تحفيز مستهدف واستدامة مالية
أكد وزير الاقتصاد، فولفغانغ هاتمانسدورفر (Wolfgang Hattmannsdorfer) المنتمي إلى حزب الشعب (ÖVP)، في بيان مكتوب، أن التقاعد الجزئي والقواعد الأكثر صرامة لنظام العمل الجزئي في الشيخوخة توفّر “تحفيزًا مستهدفًا للبقاء في سوق العمل لفترة أطول”. وأوضح أن ذلك “يضمن الحفاظ على الكفاءات، ويدعم الموقع الاقتصادي، ويُخفف العبء عن نظامي التقاعد والضمان الاجتماعي على المدى الطويل”. وأضاف: “فقط إذا تمكّنا من سد الفجوة بين سن التقاعد القانوني والفعلي، فسيبقى نظام الرفاهية الاجتماعية قابلاً للتمويل”.



