الدستور السوري الجديد بين التأييد والرفض: حل انتقالي أم فرض أمر واقع؟

مقال: وسيم محمد مطاوع

يعدّ الدستور السوري الجديد المؤقت خطوة تنظيمية تهدف إلى إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد بعد سنوات من الفوضى والانهيار السياسي والاقتصادي. ولا يمكن التعامل معه على أنه وثيقة دائمة تحدد شكل الحكم المستقبلي، بل هو مجرد إطار قانوني مؤقت ينظم مؤسسات الدولة ويضمن استمرارية عملها لحين التوصل إلى دستور دائم يعبر عن إرادة جميع السوريين في ظروف مستقرة وآمنة. لكن الشارع السوري منقسم حوله بين مؤيد يرى فيه خطوة ضرورية للانتقال السياسي، ومعارض يعتبره محاولة لفرض أمر واقع يخدم أطرافًا معينة دون تحقيق توافق حقيقي.

وسيم محمد مطاوع
سوري مقيم في فيينا

مؤيدو الدستور المؤقت

المؤيدون يرون أن أي دولة تحتاج إلى إطار قانوني يحكم مؤسساتها وينظم العلاقة بين السلطات لضمان عدم انهيار الدولة تمامًا. ويرون أن الدستور المؤقت يمثل حلاً عمليًا يفتح المجال لانتخابات ديمقراطية تتيح للجميع المشاركة في صياغة الدستور الدائم. ويعتقدون أن رفضه في هذه المرحلة هو محاولة لتعطيل أي تقدم وترك البلاد في حالة من الفوضى القانونية والسياسية. كما يرون أن معظم الاعتراضات الموجهة إليه إما أنها غير مبررة أو تخدم أجندات سياسية معينة لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية.

معارضو الدستور المؤقت

في المقابل، يرى المعارضون أن الدستور المؤقت لم يتم التوافق عليه بشكل حقيقي، وإنما جاء بقرار من جهات محددة فرضته كأمر واقع دون إشراك جميع مكونات المجتمع السوري. ويعتبرون أن الدستور ليس مجرد وثيقة تنظيمية بل هو الأساس الذي سيبنى عليه شكل الحكم في المستقبل. ولذلك فإن أي تفاصيل غير واضحة أو غامضة قد يتم استغلالها لاحقًا لإبقاء نفس البنية السلطوية التي حكمت سوريا لعقود. ويرى البعض أن الانتخابات الديمقراطية التي ينص عليها الدستور ليست ضمانة كافية لأن القوى الفاعلة على الأرض هي من ستحدد شكل الحكم وليس صناديق الاقتراع.

الاعتراضات على تمثيل جميع المكونات السورية

من أبرز الاعتراضات التي طُرحت أن الدستور لا يعبر عن جميع المكونات السورية، حيث يرى البعض أن مواده لا تقدم ضمانات حقيقية لحقوق الأقليات أو المعارضة السياسية، بينما يرى المؤيدون أن الدستور ليس وثيقة نهائية بل مجرد خطوة انتقالية وأن ضمان تمثيل جميع الأطراف سيكون عبر انتخابات حرة ونزيهة. لكن المنتقدين يعتقدون أن هذه الوعود قد لا تتحقق، وأن التجارب السابقة أثبتت أن من يملك السلطة هو من يحدد شكل الحكم بغض النظر عن النصوص الدستورية.

الانتقادات من الجهات الانفصالية

الانتقادات الأكثر حدة جاءت من بعض الجهات التي كانت تسعى للانفصال عن سوريا أو الحصول على امتيازات خاصة تمنحها سلطة أكبر من حجمها الحقيقي. حيث يرى المؤيدون أن هذه الأصوات تطرح مطالب غير واقعية، لأن أي كيان يسعى للاستقلال يحتاج إلى مقومات اقتصادية وسياسية وإدارية قوية تجعله قادرًا على إدارة شؤونه بشكل مستقل، وهو أمر غير متحقق في أي من المناطق التي رفعت شعارات الانفصال. لكن في المقابل، يرى المعارضون أن المشكلة ليست في فكرة الانفصال بحد ذاتها، بل في غياب الضمانات التي تحمي حقوق جميع المكونات داخل سوريا الموحدة. حيث يعتبرون أن أي اتفاق سياسي يجب أن يكون واضحًا بشأن الحقوق السياسية والإدارية لجميع المجموعات وليس مجرد وعود غير مضمونة.

صلاحيات رئيس الجمهورية

من النقاط التي أثارت جدلاً أيضًا مسألة الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية. حيث يرى المؤيدون أن هذه الصلاحيات ضرورية لضمان استقرار المرحلة الانتقالية ومنع حدوث فراغ في السلطة. بينما يرى المعارضون أن هذه الصلاحيات قد تؤدي إلى إعادة إنتاج نظام سلطوي جديد تحت غطاء الدستور الانتقالي، خصوصًا إذا لم تكن هناك آليات واضحة لمحاسبة السلطة التنفيذية. كما يرى بعض المعارضين أن الحديث عن التغيير الديمقراطي لا يتماشى مع استمرار هيمنة القوى السياسية والعسكرية نفسها على المشهد.

البعد الاقتصادي في الدستور

كذلك هناك جدل حول البعد الاقتصادي للدستور، حيث يرى المؤيدون أن الدستور ليس وثيقة اقتصادية بل هو إطار قانوني عام، وأن السياسات الاقتصادية هي مسؤولية الحكومة التي سيتم انتخابها لاحقًا. لكن المعارضين يرون أن أي وثيقة تأسيسية يجب أن تتضمن مبادئ اقتصادية واضحة لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة. لأن غياب هذه المبادئ يجعل من الصعب رسم سياسات اقتصادية تعالج الأزمة العميقة التي تعاني منها البلاد.

تعديلات سابقة على الدستور السوري

وعلى مدار العقود الماضية، شهدت سوريا تغييرات عدة في الدستور. حيث تم تعديله عام 1950 ثم 1953 ثم 1962 ثم 1973 ثم 2000، حيث تم تعديل المادة 83 لخفض سن الترشح لرئاسة الجمهورية من 40 إلى 34 عامًا لتمكين بشار الأسد من تولي السلطة. ثم جاء تعديل 2012 الذي ألغى المادة الثامنة التي كانت تنص على أن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع، لكنه أبقى على صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية. وخلال الثورة تم إدخال تعديلات أخرى، لكنها لم تكن جوهرية ولم تؤثر على طبيعة الحكم أو صلاحيات النظام، ما جعلها خطوات شكلية لاحتواء الغضب الشعبي دون إحداث تغيير حقيقي.

ويبقى الدستور المؤقت قضية خلافية في الشارع السوري، بين من يراه خطوة ضرورية لإعادة بناء الدولة وبين من يعتبره إعادة إنتاج لهيمنة سياسية جديدة. بينما يعتقد البعض أن المشكلة ليست في الدستور نفسه، بل في آليات تطبيقه والضمانات الحقيقية التي سترافق المرحلة الانتقالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى