المجلس الوطني النمساوي يقرّ ميزانية مزدوجة بعجز مرتفع رغم الجدل الواسع

أقرّ المجلس الوطني النمساوي يوم الأربعاء في جلسة بعد الظهر الميزانية المزدوجة للعامين 2025 و2026، وذلك بعد نقاش استمر ثلاثة أيام، إذ نالت الموافقة النهائية فقط من شركاء الائتلاف الحاكم: حزب الشعب النمساوي (ÖVP) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ) وحزب NEOS. وبحسب مشروع الميزانية، يُتوقّع أن يبلغ العجز العام هذا العام 4.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفي العام المقبل 4.2٪، ما يُرجّح أن يؤدي إلى إطلاق إجراء عجز مفرط من قِبل الاتحاد الأوروبي، نظرًا لعدم التزام النمسا بالحد الأقصى المسموح به والبالغ 3٪.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، حذّرت النائبة عن حزب الحرية النمساوي (FPÖ) باربارا كولم (Barbara Kolm) من أن هذا الوضع قد يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني للنمسا. من جانبه، أكّد وزير المالية ماركوس مارتر باور (Markus Marterbauer) المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، خلال كلمته في الفصل الختامي الخاص بالشؤون المالية، أن النمسا ستتمكن من تحقيق هدف معاهدة ماستريخت الخاص بالاتحاد الأوروبي بحلول عام 2028.

وأشار الوزير إلى أن مشروع الموازنة المعروض يُظهر سياسة مالية متّسقة وجدية وشفافة وقابلة للتحمّل. وأعرب عن تفاؤله بنجاح عملية الإصلاح المالي، مستندًا إلى أسلوب التعاون القائم بين أطراف الائتلاف منذ بداية عملهم المشترك.

نقاشات حول الاندماج والأسرة والنقل والدفاع

قبل التطرق إلى الشؤون المالية، ناقش النواب فصولًا أخرى شملت: الاندماج، الأسرة، التنقل، والدفاع الوطني. وقد أثار تجميد مبدأ “الزيادة التلقائية” (Valorisierung) في مخصصات الأسرة جدلًا كبيرًا، حيث اعتُبر من أبرز النقاط الخلافية.

الأسرة في صلب الاشتباك السياسي

وصفت النائبة عن حزب الحرية، ريكاردا بيرغر (Ricarda Berger)، القرار بعدم تعديل مخصصات الأسرة وفق التضخم بأنه “يوم مرير لعائلات النمسا”، واعتبرته “تخفيضًا صامتًا، لكنه قاسٍ”. في المقابل، ردّت النائبة عن حزب الشعب يوهانا ياكس (Johanna Jachs) باتهام حزب الحرية بنشر “الكثير من المعلومات المضللة” وخلق حالة من عدم اليقين.

أكدت وزيرة الأسرة كلوديا بلاكولم (Claudia Plakolm) المنتمية إلى حزب الشعب، أن ميزانية الأسرة ستشهد زيادة بنسبة 3٪ في عامي 2025 و2026 على التوالي، مشيرة إلى أن النمسا لا تزال “بطلة أوروبا” في مجال دعم الأسر.

الانتقادات طالت الإجراءات من كافة الأطياف

النائبة عن حزب الخضر باربارا نيسلر (Barbara Neßler) انتقدت هي الأخرى تجميد مخصصات الأسرة، قائلة إنه يؤثر بشكل خاص على فئة الأمهات العازبات، ووصفت ذلك بأنه “تخفيض غبي بدلًا من تقشف ذكي”. ودعا النائب عن الحزب الاشتراكي برنارد هرتزوغ (Bernhard Herzog) إلى “النظر إلى الصورة الكبرى”.

ورغم الضغوط التقشفية، أشار إلى أن الحكومة لا تزال تدعم الأسر بوسائل متعددة، منها: تعزيز التعليم المبكر، زيادة الدعم لتعليم اللغة الألمانية، توفير الوجبات الصحية، وتعزيز الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال والشباب.

أما النائبة عن حزب NEOS، غيرترود آوينغر-أوبرزاوخر (Gertraud Auinger-Oberzaucher)، فقد رفضت ما وصفته بـ”سياسة الرش بالماء” التي لا تراعي التمايز في دعم الأسر.

الدفاع الوطني يثير مزيدًا من الجدل

أثار النقاش حول ميزانية الدفاع بدوره خلافات حادة. فقد اتهم المتحدث باسم الدفاع في حزب الحرية، فولكر رايفنبرغر (Volker Reifenberger)، وزيرة الدفاع كلاوديا تانر (Klaudia Tanner) المنتمية إلى حزب الشعب، بأنها “تتظاهر بالتعاون” بينما يعرقل شريكها اليساري في الائتلاف (الحزب الاشتراكي) خطتها لتحديث الجيش. ووجّه المتحدث باسم الدفاع لدى حزب الخضر، دافيد شتوغمولر (David Stögmüller)، انتقادات لاذعة بشأن تجاهل الحكومة لمشكلة نقص الكوادر، مشيرًا إلى تردي حالة المساكن الخاصة بالجنود.

بدورها، دعت وزيرة الدفاع تانر النواب إلى توحيد الصفوف خلف هدف دعم الجيش، مؤكدة أن الميزانية الجديدة تتيح مواصلة تنفيذ خطة التحديث العسكري. وأشار النائب عن الحزب الاشتراكي روبرت لايمر (Robert Laimer) إلى أن الدفاع الوطني يمثل تحديًا مجتمعيًا عامًا. أما الأمين العام لحزب NEOS، دوغلاس هويز (Douglas Hoyos)، فقد دعا إلى تعزيز التعاون الأوروبي، قائلًا: “بغض النظر عن حجم الاستثمارات، لا يمكن لجمهورية صغيرة مثل النمسا أن تستعد لكل الأخطار بمفردها”.

البيئة والمناخ: تباين في الرؤى بشأن النقل والمخصصات

في محور التنقل، أعربت الوزيرة السابقة للبنية التحتية ورئيسة حزب الخضر القادمة، ليونور غيفسلر (Leonore Gewessler)، عن استيائها من الزيادة الكبيرة في أسعار بطاقة المناخ (Klimaticket)، بينما لا تزال الإعفاءات الضريبية الضارة بالمناخ، مثل امتياز الديزل، قائمة. وعبّر زميلها في الحزب، لوكاس هامر (Lukas Hammer)، عن أسفه لخفض التمويل المخصص لتوسيع وتحديث وسائل النقل العام.

من جهة حزب الحرية، عبّر المتحدث باسم قطاع النقل، غيرهارد دايميك (Gerhard Deimek)، عن قلقه بشأن مستقبل السكك الحديدية الإقليمية، ودعا إلى الحفاظ عليها.

أما النائب عن حزب NEOS، دومينيك أوبرهوفر (Dominik Oberhofer)، فأوضح أن وسائل النقل العام يجب التفكير فيها بشكل جديد، مشيرًا إلى أن الحافلات الكهربائية قد تكون في بعض الأحيان أكثر كفاءة من القطارات، ولذلك تتمتع بالدعم المالي في الميزانية.

من جانبه، أكد وزير البنية التحتية، بيتر هانكه (Peter Hanke) من الحزب الاشتراكي، أن التحول في قطاع النقل مستمر، موضحًا أن آلاف الوظائف ستظل محمية. كما شدّد النائب عن حزب الشعب، يواخيم شنابل (Joachim Schnabel)، على أن الميزانية الخاصة بالتنقل قد شهدت ارتفاعًا مرة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى