الهجرة.. المهربون جزء من دوافع كثيرة أخرى في اتخاذ قرار الهروب

خلصت نتائج دراسة لمركز خاص بدوافع الهجرة، إلى أن العوامل التي تدفع الأشخاص إلى الهجرة مفاجئة لدى بعض السياسيين. بالنسبة لمدير مركز الهجرة المسؤول عن الدراسة، فإن هذه النتائج قد تساعد في تخطيط سياسة أفضل للهجرة في المستقبل.

عند الحديث عن سياسات الهجرة، غالبا ما يؤكد الساسة الأوروبيون أن المهربين يلعبون دورا رئيسيا في إغراء الأشخاص للقيام بالهجرة بشكل غير قانوني. ولكن وفقًا لمركز الهجرة، فإن هذا الأمر غير صحيح. فقد كشفت نتائج استطلاع شمل 60 ألف مهاجر أجراه المركز، أن حوالي 4 في المائة فقط من المهاجرين كان للمهربين تأثير في اتخاذهم قرار الهجرة.

ربما أن يلعب الأصدقاء والعائلة ووسائل التواصل الاجتماعي دورا في عملية اتخاذ القرار أكثر من المهربين. لكن، أوضحت الدراسة أنه بالنسبة للمهاجرين في شمال أفريقيا وغربها، الذين يشدون الرحال في رحلات خطيرة إلى أوروبا، فـ 7 بالمئة منهم فقط أقروا أن المهربين يلعبون دورا في تحفيزهم.

وبالنسبة للأصدقاء أو العائلة الموجودين في أوروبا (41%)، أما من يحفزه وجود الآباء فكانت نسبتهم (22%)، والأصدقاء أو العائلة في بلد المغادرة (21%)، والعائدون (16%)، ووسائل التواصل الاجتماعي (12%)، ثم أخيرا الزوج أو الشريك (8%).

كما أكد حوالي ثلث المشاركين في استطلاع مركز MMC أن لا أحد ولا شيء أثر على قرارهم الأولي بالهجرة. وقال برام فروس، مدير المركز في تصريح لـ مهاجرنيوز، إن هذا دليل لا ينبغي للسياسيين تجاهله. مضيفا “نحن ندرك أن هناك واقعًا سياسيًا، لكننا نعتقد أنه يجب بذل المزيد من الجهود لكسر الأساطير، يجب أن تستند السياسات إلى الأدلة”.

“التهريب.. أحد أعراض الظاهرة فقط”

وقال فروس إن “التركيز على المهربين باعتبارهم أساس الشر ومحرك الهجرة غير القانونية نحو أوروبا هو أمر غير مفيد. إن التهريب ليس سوى أحد أعراض الظاهرة، وأعتقد أنه من السهل على الساسة أن يلوموا المهربين على كل أشكال الهجرة غير القانونية. ومن السهل للغاية أن يروجوا لهذه الفكرة سياسياً، فهي عبارة سهلة. إن اللغة التي نسمعها عن “سحق العصابات”، و”تعطيل نموذج عمل المهربين”، تعمل حقاً على تشتيت الانتباه بعيداً عن إخفاقات السياسات الأخرى، وعن كل التعقيدات التي تدفع في نهاية المطاف إلى الهجرة غير القانونية”.

وأضاف فروس أن “إلقاء اللوم على المهربين ينتهي بجعل السياسات أكثر صرامة، ليس فقط تجاه المهربين ولكن أيضا تجاه المهاجرين. “إنها وسيلة لتبرير نهج قاس، وخاصة في ما يتصل بتجريم ظاهرة التهريب، وهو ما يبرر في واقع الأمر شن حملة صارمة على التهريب والهجرة غير النظامية”.

هذا لا يعني أن فروز يدافع عن التساهل مع الهجرة غير القانونية، فهو يرى أن المهربين، وخاصة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة، يجب مقاضاتهم. لكن التهريب ليس سوى جزء من اللغز، والمبالغة في تبسيط القضية تعني تعزيز العصابات الإجرامية بدلا من القضاء عليها. 

وقال فروز “بغض النظر عن مدى صعوبة القضاء عليها، فإن الشبكات تتكيف وتتحول إلى العمل المحترف، وتزيد أسعار خدماتها”. مضيفا “طالما أن الطلب موجود، سيكون هناك مهربون يحاولون تلبية هذا الطلب”.

كيف تؤثر مثل هذه الأفكار على السياسة؟

إن الاعتقاد بفكرة أن المهربين يغرون الناس لأجل اتخاذ قرار الهجرة لها تأثيرات على السياسات، وأيضا على المجالات التي تشهد إنفاق الأموال. في فبراير 2024 مثلا، تم الإعلان أن حكومة المملكة المتحدة تخطط لإشراك المؤثرين على تيك توك في حملتها لوقف الهجرة غير القانونية. 

وأعلنت وزارة الداخلية البريطانية عن مبادرة مماثلة في أغسطس 2023. حينها، كانت الحكومة تأمل في الشراكة مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي “لتسريع العمل على معالجة ظاهرة تسهيل تهريب الأشخاص عبر الإنترنت”، وفقًا لبيان صحفي صادر عن الحكومة البريطانية حينها.

وذكرت مجلة Vice في فبراير 2024 أن الحكومة خصصت ميزانية قدرها 570 ألف جنيه إسترليني (حوالي 686 ألف يورو) لهذا الغرض.

وفي سبتمبر 2024، أعلنت الحكومة البريطانية الحالية عن زيادة التمويل للمساعدة في “القضاء على مهربي البشر”. ووعدت وزيرة الداخلية إيفات كوبر بضخ 75 مليون جنيه إسترليني (حوالي 90 مليون يورو) لتحسين قدرات قيادة أمن الحدود في المملكة المتحدة.

قالت كوبر: “العصابات الإجرامية تفلت من العقاب وتزيد من تهديد أمن حدودنا وتعريض الأرواح للخطر”. وأضافت أن الحكومة ستزيد من ضباط الأمن وتستخدم “كل أداة تحت تصرفنا للقضاء على هذه التجارة “.

كما أطلقت جورجيا ميلوني الإيطالية وحكومات أوروبية أخرى لا حصر لها مبادرات مماثلة، تهدف إلى تفكيك العصابات والقبض على المهربين. وفي أكتوبر 2024، أعلنت الشرطة الإيطالية أنها تمكنت من تفكيك شبكة تهريب مزعومة تجلب المهاجرين إلى جنوب إيطاليا عبر تركيا واليونان.

التمييز بين “المهاجرين” و”اللاجئين”

في حين تؤكد دراسة المركز على التمييز القانوني الواضح بين اللاجئين والمهاجرين، فإنه يسلط الضوء أيضًا على مشكلة وضع الأشخاص إما في خانة “المهاجرين” أو “اللاجئين”.

وفقًا لفروس، فإن التناقض الناتج عن الفصل بين الأشخاص حسب الفئة، لا يؤثر إلا على ما إذا كان يمكن إعادة شخص ما أم لا. إن احتمالية إعادة شخص هاجر لأسباب اقتصادية إلى بلده الأصلي، أكبر من احتمالية إعادة شخص فر من بلده بسبب الحرب أو الاضطهاد.

لكن تظهر نتائج الدراسة أن الأشخاص يهاجرون لأسباب مختلفة. قد يفرون من الحرب أو الصراع أو التمييز، وبالتالي قد يكونون مؤهلين للحصول على وضع لاجئ. ولكن ربما كان من بين أسباب هجرتهم الرغبة في حياة أفضل، أو فرص عمل أفضل، أو مجتمع أكثر أمانًا واستقرارًا لهم ولأسرهم.

“ربما فر بعض اللاجئين من بلدانهم الأصلية، وقضوا بعض الوقت في بلد مضيف في المنطقة، ولكنهم قرروا بعد ذلك الانتقال نحو أوروبا. وفي هذه المرحلة، يفعلون ذلك جزئيًا أيضًا لأسباب اقتصادية، أي من أجل مستقبل أفضل. وهذا لا يجعلهم أقل استحقاقًا للحماية الدولية، وفقًا لاتفاقيات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي”، حسب فروس، الذي يرى أنه “من المهم التأكيد على أن الناس ليسوا مجرد لاجئين، بل هم أيضًا بشر لديهم تطلعاتهم الخاصة لمستقبلهم. وهذا لا يجعلهم أقل استحقاقًا للحماية”.

نهج أفضل للمستقبل

يقول برام فروس إن سياسة الهجرة الفعّالة في المستقبل ستتطلب تحولاً في التركيز على الأهداف، ويضيف أن ميثاق اللجوء والهجرة الجديد للاتحاد الأوروبي، وهو عبارة عن حزمة من الإصلاحات بشأن سياسة اللجوء المشتركة التي سيتم تنفيذها على مدى العام ونصف العام المقبلين، جيد لكنه غير مكتمل.

وقال: “إن الجزء المتعلق بالهجرة القانونية لم يتم تطويره بشكل كافٍ. وسوف يكون جزءًا مهمًا للغاية من معالجة مشكلة الهجرة غير القانونية. كما أن الإعادة ليست جزءا من الميثاق ويجب أن يكون لذلك نتائج إيجابية. إن مزيدا من الطرق القانونية للهجرة، يعني نتائج أفضل”.

infomigrants

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى