باحثون من النمسا يحاكون بيئة نسبية لرصد تأثير بصري فريد من نوعه

نجح فريق من الباحثين في جامعة فيينا التقنية (Technische Universität Wien) بالنمسا في توثيق تأثير بصري تنبأت به نظرية النسبية الخاصة لألبرت أينشتاين، يعرف باسم “تأثير تيريل-بنروز” (Terrell-Penrose Effect)، وذلك عبر تجربة معملية متطورة مكّنتهم من محاكاة الظروف الفيزيائية اللازمة لرصده بصريًا.

وأجريت التجربة ضمن مختبرات الجامعة، حيث تمكن العلماء من إعادة إنتاج واحدة من أغرب الظواهر البصرية التي تنتج عن الحركة بسرعات قريبة من سرعة الضوء. ويشير تأثير تيريل-بنروز، الذي اقترحه الفيزيائيان James Terrell وRoger Penrose بشكل مستقل عام 1959، إلى أن الأجسام التي تتحرك بسرعات نسبية عالية لا تبدو منكمشة فقط – كما هو متوقع في النسبية الخاصة – بل تظهر أيضًا مشوهة بصريًا، وكأنها تدور أو تنحرف عن شكلها الأصلي، نتيجة اختلاف توقيت وصول الفوتونات من أجزاء مختلفة من الجسم إلى عين الراصد.

ظروف التجربة ومحاكاتها للسرعات النسبية

نظراً لأن الوصول إلى سرعات تقارب سرعة الضوء في تجارب معملية أمر مستحيل حاليًا، قام الفريق البحثي بابتكار طريقة بديلة لمحاكاة التأثير عبر تقليل السرعة الفعالة للضوء في بيئة خاضعة للتحكم الدقيق. واستخدم الباحثون في ذلك نبضات ليزر فائقة القصر وكاميرات تصوير فائق السرعة، سمحت لهم بتقليص سرعة الضوء نظريًا إلى نحو مترين في الثانية.

ومن خلال هذه التقنية، أمكنهم مراقبة الفروقات الزمنية التي تصل بها أشعة الضوء المنعكسة من أجزاء مختلفة من الجسم المتحرك إلى عدسة الكاميرا، وهو ما يشكل العامل الحاسم في بروز تشوهات بصرية تماثل تلك التي تنبأت بها النسبية الخاصة.

مشاهدات التجربة: كرات ومكعبات “تدور بصريًا”

وخلال التجربة، تم تحريك أجسام بسيطة مثل مكعبات وكرات عبر حقل الليزر داخل المختبر، بينما تم تسجيل التغيرات البصرية الناتجة عبر تقنيات التصوير عالية الدقة. وكشفت النتائج، التي نُشرت في دورية Communications Physics، أن هذه الأجسام بدت مشوهة بشكل واضح: فقد ظهر المكعب وكأنه ملتف حول محوره، في حين ظهرت الكرة كأن معالمها قد تغيرت أثناء الحركة – تمامًا كما يصف تأثير تيريل-بنروز.

أهمية الاكتشاف

تكمن أهمية هذه التجربة في أنها قدمت للمرة الأولى مشاهدات بصرية مباشرة لنوع من التأثيرات التي كانت تُعتبر حتى الآن جزءًا من التنبؤات النظرية في الفيزياء النسبية، ويصعب – أو يُستحيل – رصدها تجريبيًا بسبب المتطلبات الهائلة للطاقة والسرعة.

كما تُعد التجربة برهانًا فعليًا على أن تشوهات الزمكان التي تنبأت بها نظرية أينشتاين يمكن محاكاتها في المختبر بطرق بصرية مبتكرة، وهو ما يمهد الطريق أمام أبحاث مستقبلية تستهدف نمذجة سلوك المادة والضوء في ظروف نسبية متطرفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى