بمشاركة النمسا.. التحقيق أكثر من 130 ألف وثيقة توثق فظائع نظام الأسد في مستشفيات سوريا العسكرية وسط غياب العدالة الانتقالية
بعد مرور ما يقرب من عام على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، كشف تعاون تحقيقي دولي، بمشاركة هيئة الإذاعة والتلفزيون النمساوية (ORF) ومجلة “بروفيل” (profil)، عن آليات عمل آلة التعذيب والقتل الممنهجة التي كان يديرها النظام السوري، وكيف تُرك ذوو الضحايا في جهل مطبق بمصير أحبائهم حتى اليوم. ويُظهر التحقيق أن الحكومة السورية الانتقالية لا تبدي اهتمامًا كبيرًا بكشف الحقيقة وفتح أرشيف النظام السابق. وقد تبين أن مستشفى حرستا العسكري في ريف دمشق كان أحد الأماكن الرئيسية التي شهدت فظائع نظام التعذيب، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).
يُعد مستشفى حرستا العسكري، الواقع في إحدى ضواحي دمشق، أحد المشاهد العديدة لنظام التعذيب الذي انتشر في عهد نظام الأسد. وتُظهر صور جثث الهزيلة أن غالبية معارضي النظام قد تعرضوا لسوء المعاملة قبل وفاتهم. في المقابل، تُسجل شهادات الوفاة بشكل شبه موحد أن سبب الوفاة هو “توقف القلب والدورة الدموية”.
تشكل هذه الوثائق جزءًا مما يُعرف بـ “ملف دمشق” (Damaskus-Dossiers)، الذي يحتوي على أكثر من 130,000 وثيقة عائدة لجهاز المخابرات السوري السابق، وتغطي فترة تمتد لثلاثة عقود. ويحتوي الملف على مذكرات داخلية وتقارير عن عمليات التجسس والاعتقالات التي قام بها الجهاز، بالإضافة إلى مراسلاته مع دول صديقة مثل روسيا وإيران. ويُضاف إلى ذلك 70,000 ملف وصورة، منها عشرات الآلاف توثق بدقة بيروقراطية تعذيب ووفاة معارضين.
أضخم وثائق توثق جرائم النظام
قامت قناة “إن دي آر” (NDR)، التي تلقت الملف، بمشاركته ومعالجته بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) وشركاء إعلاميين دوليين، ومنهم في النمسا كل من هيئة الإذاعة والتلفزيون (ORF) والمجلة الإخبارية “بروفيل” (profil). ويُعد هذا الملف أضخم مادة حصل عليها الصحافيون حتى الآن وتتعلق بجرائم أجهزة المخابرات السورية.
ويكشف الملف تقارير حول الاعتقالات الجماعية والإعدامات. وقد اختفى أكثر من 150,000 سوري منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011 تحت حكم الأسد، ولا يزال معظم أقاربهم لا يعرفون مصيرهم حتى اليوم. وفي السجون التي فُتحت بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024، عُثر على رسائل مكتوبة على جدران الزنازين وملابس متروكة، كما اكتُشفت مقابر جماعية. ومع ذلك، فإن البحث والتنقيب عن المزيد من المقابر الجماعية يسير ببطء.
أمل في كشف الحقيقة بالخارج
كما تخلفت الحكومة الانتقالية حتى الآن عن فتح أرشيف نظام الأسد المتعلق بالتعذيب، وعن تسليم شهادات الوفاة أو الوثائق الأخرى ذات الصلة إلى عائلات المفقودين. وتتوفر الوثائق والصور التي نُشرت الآن أيضًا لدى السلطات في ألمانيا، حيث يُؤمل في المساهمة في كشف الحقيقة بعيدًا عن سوريا، وذلك من خلال البحث عن شهود بين اللاجئين السوريين.
وفي النمسا، تجري بالفعل إجراءات قضائية ضد منفذين مزعومين لديكتاتورية الأسد: ففي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، وجهت النيابة العامة في فيينا تهمة رسمية ضد موظف رفيع المستوى في الشرطة الجنائية وجنرال سابق في المخابرات السورية العامة. ويُزعم أن السوريين ارتكبا جرائم خطيرة ضد مدنيين معتقلين في مدينة الرقة شمال سوريا بين عامي 2011 و 2013. وتشمل التهم إلحاق إصابات جسدية خطيرة، والإكراه الشديد، والعنف الجنسي، والتعذيب. وينكر المتهمان التهم الموجهة إليهما، وقُدِّم اعتراض على لائحة الاتهام مساء يوم الإثنين، ومن المقرر أن تبت محكمة فيينا العليا الإقليمية (OLG Wien) في الأمر الآن.



