بيانات حكومية تكشف تراجع تدفق المياه في 15 نهرًا في النمسا وسط تصاعد أزمة المناخ
فيينا – INFOGRAT:
أظهرت بيانات تحليلية نشرتها منظمة السلام الأخضر Greenpeace البيئية يوم الأربعاء أن كميات المياه المتدفقة في الأنهار النمساوية شهدت انخفاضًا ملحوظًا خلال الخمسين عامًا الماضية، لا سيما في المناطق الشرقية الجافة تقليديًا، مما يكشف عن تزايد تأثيرات أزمة المناخ التي باتت تُظهر تزامن الجفاف والفيضانات بدلًا من تعاقبهما.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، ووفقًا للتحليل، انخفضت الكمية المتوسطة من المياه في 15 من أصل 18 نهرًا تمت دراستها خلال أشهر الصيف منذ عام 1977. وكانت منطقة Burgenland (بورغنلاند) الأكثر تأثرًا، حيث انخفض منسوب نهر Strem (شتريم) بنسبة 41٪ ونهر Pinka (بينكا) بنسبة 23٪. كما شهدت ولاية Vorarlberg (فورارلبرغ) خسائر مائية كبيرة، إذ تراجع تدفق نهر Lech (ليخ) بنسبة 16٪ ونهر Rhein (الراين) بنسبة 12٪. حتى نهر Donau (الدانوب) الكبير شهد تراجعًا في المياه بنسبة تقارب 7٪.
تحليل يشمل 18 نهرًا ويغطي عقودًا من البيانات
استندت Greenpeace في تحليلها إلى بيانات خدمة الهيدرولوجيا التابعة لوزارة الزراعة النمساوية، والتي شملت مراجعة تدفق المياه ومستوياتها الدنيا خلال الصيف في الفترة من 1977 حتى 2022. وقد اختيرت أطول عشرة أنهار في البلاد بالإضافة إلى أنهار ذات أهمية إقليمية لضمان توزيع جغرافي متوازن.
استثناء وحيد: نهر Kamp
أظهر نهر Kamp (كامب) استثناءً من الاتجاه العام، حيث ارتفع متوسط التدفق اليومي فيه بنسبة 45٪ نتيجة فيضان القرن في عام 2002، والذي بلغ مستوى 6.80 أمتار. غير أن الحد الأدنى الشهري للتدفق في النهر ظل ثابتًا نسبيًا. أما في بقية الأنهار، فقد أظهرت 14 من أصل 18 نهرًا انخفاضًا في أدنى المعدلات الشهرية، بينما شهدت أنهار Bregenzer Ach، Mur، Leitha وGail زيادات طفيفة.
خبراء يحذرون من تفاقم الوضع شرقًا وجنوبًا
أوضح البروفيسور Helmut Habersack، مدير معهد الهندسة المائية بجامعة الموارد الطبيعية وعلوم الحياة التطبيقية في فيينا (BOKU)، أن بيانات الأربعين عامًا الماضية تُظهر تراجعًا في بعض خصائص الجريان في نهر الدانوب، مما يدل على تغيرات ملحوظة. من جهته، أشار Ronald Pöppl، الباحث في معهد علم المياه وإدارة الأنهار بـBOKU، إلى أن الاتجاهات الحالية والتوقعات تدل على تفاقم حالة المياه المنخفضة في شرق وجنوب النمسا.
مناخ أكثر حرارة يرفع معدل التبخر
أسباب هذا التراجع في المياه متعددة، أهمها الجفاف المتزايد والأحداث المناخية المتطرفة الناتجة عن أزمة المناخ. وأوضح Günter Blöschl، أستاذ في معهد الهندسة المائية والهيدرولوجيا في جامعة TU Wien، أن التبخر ارتفع بنسبة 17٪ خلال العقود الأربعة الماضية، ما يسهم في فقدان المياه من الأنهار وتزايد احتمالات الفيضانات.
تحول المياه إلى الغلاف الجوي
بحسب Blöschl، فإن النباتات تسهم في إعادة كميات كبيرة من المياه إلى الغلاف الجوي، ويزيد من ذلك تغير أنماط الأمطار والتوزيع الزمني لها، بالإضافة إلى زيادة الطاقة في الغلاف الجوي.
تأثيرات متداخلة تتطلب رؤية شاملة
أكد الخبراء ضرورة النظر إلى مسألة المياه ضمن سياق الدورة المائية الكاملة، حيث ترتبط تأثيرات المياه السطحية والمياه الجوفية ببعضها. وشدد Ronald Pöppl على أن النشاطات الزراعية مثل سحب المياه قد تُفضي إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية، ما يؤثر بدوره على مستويات المياه المنخفضة في الأنهار.
الكهرباء المائية بلا خطر حاليًا ولكن…
رغم الجفاف، لا ترى جمعية Österreichs Energie المعنية بقطاع الكهرباء خطرًا على توليد الطاقة الكهرومائية في الوقت الحالي، والتي تشكل 61٪ من الإنتاج الكهربائي الإجمالي في البلاد. غير أن الجمعية حذرت من أن ذروة الإنتاج تتحول إلى الشتاء، فيما تُمثل أمطار الصيف الغزيرة تحديًا أكبر بسبب الحاجة إلى تحسين إدارة التخزين المائي.
أهمية إدارة المياه وتخزينها
أشار الخبراء إلى أهمية إدارة التخزين المائي، سواء في مياه الشرب أو الحماية من الفيضانات. وأكد Blöschl أن بناء سدود أو تحويل مسارات المياه يمكن أن يكون حلًا مزدوجًا لمشكلة نقص المياه والفيضانات.
وفي السياق ذاته، شدد Habersack على ضرورة إعطاء الأنهار قدرة أكبر على امتصاص الصدمات البيئية، عبر تصميمها بشكل يتيح التوازن بين الإنسان والبيئة. وتتماشى هذه التوصيات مع لائحة إعادة تأهيل الطبيعة التابعة للاتحاد الأوروبي، التي تلزم الدول الأعضاء بإعادة تأهيل 20٪ من النظم البيئية – بما في ذلك الأنهار والمستنقعات والغابات – بحلول عام 2030.
نهر Pinka يفقد 58٪ من مستواه الشهري الأدنى
أظهرت البيانات أن نهر Pinka في Burgenland فقد 58٪ من مستوياته الشهرية الدنيا، ما يعكس مدى التدهور في بعض المجاري المائية بالبلاد.
Greenpeace تطلق جرس الإنذار وتدعو لتحرك سياسي
وصفت منظمة Greenpeace النتائج بأنها “إشارة إنذار” لا يجب تجاهلها، ودعت الحكومة إلى تنفيذ خطة سجل سحب المياه التي وردت في البرنامج الحكومي. كما طالبت بالإسراع في مشاريع إعادة تأهيل الأنهار وفرض رسوم على استخدام المياه الصناعية.
تحركات وزارية ودراسات قيد الإعداد
أفادت وزارة المناخ – المسؤولة أيضًا عن المياه والزراعة – بأن التحضيرات لإقرار سجل سحب المياه جارية، مع صدور اللائحة المنظمة بحلول 2026. وتعمل الوزارة أيضًا على دراسة حول تأثيرات أزمة المناخ على الموارد المائية، على أن تُنجز بحلول خريف 2026. كما يجري إعداد خطة إدارة الموارد المائية للعام 2027، التي ستولي اهتمامًا أكبر بمسألة انخفاض منسوب المياه.



