تحسّن في ترتيب النمسا بمؤشر قوس القزح رغم تراجع المساواة في أوروبا

نُظّمت يوم السبت في العاصمة النمساوية فيينا مسيرة “Regenbogenparade” (مسيرة قوس القزح)، والتي تُعدّ أبرز فعاليات “شهر الفخر” (Pride Month) في النمسا، وسط مشاركة واسعة قدّرتها الشرطة بنحو 300 ألف شخص. تأتي هذه الفعالية السنوية في وقت لا تزال فيه المساواة القانونية والاجتماعية لأفراد مجتمع الميم (LGBTQ) تشهد تفاوتاً كبيراً في أوروبا، وفقاً لما أظهره “مؤشر قوس القزح” (Rainbow Index) لعام 2025، الصادر عن منظمة ILGA-Europe، وهي الهيئة الأوروبية المدافعة عن حقوق المثليين والمثليات والمتحولين والمتحولات وثنائيي وثنائيات الجنس والأشخاص بين الجنسين.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، يهدف المؤشر، الذي يُنشر سنوياً منذ عام 2009، إلى تقييم مدى التقدّم في مجال المساواة القانونية لمجتمع الميم في الدول الأوروبية. ويشمل التقييم سبع فئات: المساواة وعدم التمييز، الأسرة، جرائم الكراهية وخطاب الكراهية، الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي، السلامة الجسدية، المجتمع المدني، وقوانين اللجوء. وتُحسب النسبة المئوية لكل دولة بناءً على النقاط التي تحصدها ضمن هذه الفئات، لتتراوح بين 0% (عدم مساواة تامة) و100% (مساواة تامة).

أوروبا بين التقدّم والتراجع

بلغ متوسط النقاط في المؤشر هذا العام 42% على مستوى جميع الدول التي شملها التقرير، بينما ارتفع المعدل إلى 51% في دول الاتحاد الأوروبي. احتلت مالطا المرتبة الأولى للعام الثامن على التوالي بنسبة 89%، تلتها بلجيكا وآيسلندا، فيما جاءت روسيا في ذيل الترتيب بنسبة 2%، تسبقها بقليل كلٌّ من أذربيجان وتركيا.

رغم أن المؤشر يركّز على الإطار القانوني والسياسي، إلا أنه لا يشمل معايير مثل القبول المجتمعي أو الأمان الشخصي لأفراد مجتمع الميم، مما يُظهر أن الأرقام لا تعكس بالضرورة واقع الحياة اليومية لهؤلاء الأشخاص.

تراجع ملحوظ في عدة دول

شهدت دول مثل جورجيا والمملكة المتحدة والمجر تراجعاً كبيراً في المؤشر، حيث تراجع ترتيب المجر – المجاورة للنمسا – من المرتبة 30 إلى المرتبة 37. كما أصبحت أول دولة في الاتحاد الأوروبي تُمنع فيها مسيرة الفخر هذا العام.

ويُعزى هذا المنع إلى تعديل قانون التجمعات الذي أُقرّ في أبريل، والذي يسمح بحظر الفعاليات بذريعة “حماية الأطفال”. كما ينص التعديل الدستوري الجديد على الاعتراف بجنسين فقط، مما يضيّق الخناق على حقوق الأشخاص المتحولين بين الجنسين وغير الثنائيين.

وفي دول أخرى مثل بلغاريا وسلوفاكيا وإيطاليا، سُجّلت انتكاسات في مجال حرية التجمع والتنظيم والتعبير. واعتبرت ILGA-Europe أن هذه التطورات ليست حالات منعزلة، بل ترتبط بتراجع أوسع في الحقوق الديمقراطية.

صرّحت Kathrin Hugendubel، مديرة السياسات في ILGA-Europe، قائلة: “الديمقراطية تُقوّض بصمت في جميع أنحاء أوروبا”، مضيفة أن “الدعوات إلى الدفاع عن التقاليد والاستقرار العام ليست سوى ستار لتكريس التمييز وقمع الأصوات المعارضة”.

بوادر تقدم مشجعة

رغم التحديات، أشار التقرير إلى تطورات إيجابية في دول مثل بلجيكا، أيرلندا وهولندا، بالإضافة إلى تحسّن في دول كانت سابقاً متأخرة في التصنيف.

ففي بولندا، ارتفع الترتيب ثلاث درجات بعد إزالة العوائق الحكومية أمام فعاليات مجتمع الميم، وإنهاء ما عُرف بـ”المناطق الخالية من LGBTQ”. وقد كانت هذه المناطق منتشرة خصوصاً في جنوب وجنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكاثوليكية. ومع ذلك، أعربت ILGA-Europe عن قلقها من نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها Karol Nawrocki، والذي قد يعرقل تنفيذ الأجندة الحكومية المؤيدة للمساواة.

ألمانيا والنمسا تحققان تقدماً

تحسّن ترتيب ألمانيا ثلاث درجات لتصل إلى المركز الثامن، وهو أفضل موقع لها منذ إنشاء المؤشر، بعد سن قانون “الاختيار الذاتي” (Selbstbestimmungsgesetz)، الذي يسهّل على الأفراد تغيير الاسم والجنس القانوني من خلال إجراء بسيط في دائرة الأحوال المدنية.

أما النمسا، فقد تقدّمت أربع درجات واحتلّت المرتبة 16، مسجّلة تحسناً واضحاً. ويرجع ذلك إلى تعديل قانون المساواة (Gleichbehandlungsgesetz) ضمن إصلاح تشريعي أُقرّ في سبتمبر 2024، حيث أصبحت الحماية من التمييز تشمل الأشخاص غير الثنائيين، وليس فقط النساء والرجال.

جاء هذا التعديل نتيجة خطأ تصويتي من جانب حزب الشعب النمساوي (ÖVP) الذي صوّت لصالح التعديل ضمن حزمة قوانين الخدمة المدنية. ورغم تراجع الحزب عن موقفه لاحقاً، إلا أن القانون تم تمريره بدعم من الحزب الاشتراكي (SPÖ) وحزب الخضر (Die Grünen).

وأوضحت متحدثة باسم ÖVP لوكالة الأنباء النمساوية (APA): “لقد حصل هذا الأمر عن طريق الخطأ. لاحظناه متأخرين. نحن نرفض هذا التعديل بشكل قاطع”.

النقاش حول التمييز خارج سوق العمل

رغم هذا التقدم، لا يزال القانون النمساوي لا يمنح حماية من التمييز خارج سوق العمل إلا فيما يخص النوع الاجتماعي، بينما لا تشمل الحماية القانونية خارج أماكن العمل التمييز بسبب التوجه الجنسي. ولهذا السبب، تطالب Gleichbehandlungsanwaltschaft (هيئة الدفاع عن المساواة) منذ سنوات بتوسيع نطاق الحماية ليشمل جميع أشكال التمييز.

ويُبرز تقرير ILGA-Europe الحاجة إلى تحسين الحماية القانونية للأشخاص المتحولين جنسياً والأشخاص بين الجنسين، إضافة إلى ضرورة مكافحة جرائم وخطاب الكراهية بشكل أكثر فاعلية.

خطوات نحو حظر “علاجات التحويل”

يتضمّن البرنامج الحكومي الحالي لحزبي ÖVP وSPÖ وحزب NEOS حظر ما يُعرف بـ”علاجات التحويل” (Konversionstherapien)، إلى جانب تعزيز حماية القُصّر من ذوي الأعضاء التناسلية غير النمطية من التدخلات الطبية غير الضرورية.

وقد أعلن Fachverband Österreichischer Psychologinnen und Psychologen (اتحاد الأخصائيين النفسيين النمساويين) رفضه التام لهذه “العلاجات”، التي تستند إلى فرضية أن المثلية الجنسية مرض يجب علاجه، وهو ما يعتبره الخبراء إجراءً ضاراً وغير أخلاقي.

كما أشادت ILGA-Europe في تقريرها بإنشاء صندوق تعويضات بقيمة 33 مليون يورو، يُستخدم لتعويض الأشخاص الذين تعرّضوا للملاحقة القضائية في النمسا بسبب ميولهم الجنسية حتى مطلع الألفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى