رسالة حزينة إلى الأمة العربية.. من د. تمام كيلاني

مقال لـ د. تمام كيلاني

في مثل هذا اليوم، أكتب إليك يا أمتي العربية، وقلمي يرتجف من ثقل الحزن، وقلبي يئن من تراكم الجراح. كيف أبدأ والسنوات تعيد نفسها، والخيبات تتراكم، والذاكرة العربية مثقلة بما لا يُحتمل من الألم والخسارات؟

د. تمام كيلاني
رئيس اتحاد الأطباء
والصيادلة العرب
في النمسا

في مثل هذا اليوم، لا يمكننا أن ننسى نكسة عام 1967، أو ما يُسمّى زورًا بـ”حرب الأيام الستة”، وهي في حقيقتها حرب الساعات الست، التي خسرنا فيها كل شيء تقريبًا، إلا كرامتنا التي ظلت تقاوم في صدور الأحرار.

في ساعات قليلة، بيعت الجولان، دون قتال يُذكر، وكأنها كانت صفقة على طاولة من لا يخشون الله ولا يخافون التاريخ.

وبالرغم من الهزيمة النكراء خرج احد قادةً حزب العبث ليقول خسرنا الحرب ولكن لايزال البعث موجودا .

احتُلّت سيناء، وسُحقت معها هيبة الجيوش التي قادها الخوف لا الإيمان.واخذ يدعي مضلل الامة العربيه ( ان مايأخذ بالقوة لايرد إلا بالقوة) 

سُلبت الضفة الغربية، وسقط معها القلب النابض لفلسطين، ومعها المسجد الأقصى والقدس الشريف، تاج العروبة وقبلة الأحرار.

لم تكن خسارة أرض فقط، بل كانت انهيارًا للثقة، وانكشافًا مريعًا لزيف الشعارات، وفضيحة لأنظمة ادّعت الصمود، ثم باعت شعوبها وسلّمت مفاتيح الكرامة للأعداء.

لكن، رغم كل هذا السواد، يطلّ خيط أمل من غزه العزه التي تقارع الطغاة رغم القل والحصار والجوع ومن دمشق، من الشام التي ظلت طويلاً ترزح تحت حكم طغاة العصر، وجلاّدي الشعوب، الذين جسدوا على صدرها لعقودٍ خنقوا فيها الحرية، وقتلوا فيها الحلم.

واليوم، يبدأ النور يشق طريقه، وسوريا الجريحة تستعيد أنفاسها، بعد أكثر من ستين عامًا من الظلم والبطش والخراب.

أجل، يا أمتي، لا يزال فيك نبضٌ لم يمت، لا تزال الأرض تنبت رجالًا، وتلد نساءً يشبهن الأمهات الأوليات في صبرهن وبأسهن.

ورغم الخراب، لا يزال هناك من يبكونك بصدق، من يحملونك في قلوبهم وطنًا وأملًا، لا خريطةً ممزقة.

شكرًا حزينة على الأمة العربية في مثل هذا اليوم، شكرًا لأنك تذكرينا بأن النكسة ليست فقط تاريخًا، بل جرحٌ مفتوح، لا يُشفى إلا بالوحدة، والكرامة، والوعي.

وفي ختام هذه الكلمات، نستمد من القرآن الكريم صبرًا وثباتًا، حين يقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ (سورة آل عمران، الآية 139)

وفي مفارقة عميقة لا تخفى على القلوب المؤمنة، تأتي ذكرى هذا الجرح العربي في يوم عرفة، يوم تقف فيه قلوب الحجيج على جبل الرحمة، رافعين الأكف إلى السماء، يبكون ذنوبهم، ويرجون الغفران، فيا رب، كما غفرت للحجيج، وفتحت لهم أبواب الرحمة من فوق جبل عرفات، اغفر لأمة مزقتها النكبات، وأحيِ فيها الإيمان والعزة بعد طول التيه والانكسار.

فالنصر وعد الله، وليس وعود الزيف السياسي. وإن طال ليل الهزيمة، فلا بد أن يطلع فجر الكرامة.

ابنكِ الحزين، الذي ما زال يؤمن بكِ، ويحمل في قلبه كلّ ما تبقى من نور

د. تمام كيلاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى