صندوق التأمين الصحي العام يدعو لخفض أجور الأطباء الخاصين على غرار ألمانيا بعد مطالبات بوضع سقف للأسعار
تتزايد الشكاوى من قبل المرضى في النمسا بشأن التكاليف الباهظة التي يدفعونها للأطباء الخاصين (Wahlärzte)، والتي لا تغطيها شركات التأمين الصحي الحكومية إلا جزئياً. وقد أدت هذه الظاهرة إلى دعوات لوضع سقف لهذه الأجور، على غرار ما هو معمول به في ألمانيا، وذلك بهدف تخفيف العبء المالي على المرضى وضمان استدامة النظام الصحي، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).
وفي هذا السياق، صرح السيد Huss، رئيس صندوق التأمين الصحي العام (ÖGK)، لوسائل الإعلام بأنه يتلقى “شكاوى متزايدة من مرضى يقولون: ‘أدفع مبالغ طائلة للأطباء الخاصين، ولا أحصل إلا على جزء بسيط من المبلغ مسترداً من قبل شركة التأمين'”. وأضاف Huss أن الأمر لا يخلو من الحالات التي يدفع فيها المرضى 200 يورو، ولا يستردون سوى 30 يورو من شركة التأمين الصحي. وأشار إلى أن “الأطباء الخاصين يطالبون بما يصل إلى عشرة أو خمسة عشر ضعفاً من تعريفة التأمين الصحي الحكومي، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق”.
ولهذا السبب، يطالب Huss، “على غرار النموذج الألماني”، بـ “وضع حد أقصى لأجور الأطباء الخاصين، وأجور الأطباء غير المتعاقدين مع التأمين الصحي الحكومي”. وأوضح أن “في ألمانيا، يبلغ هذا الحد ضعف ونصف تعريفة التأمين الصحي الحكومي. وأود أن أطرح هذا الأمر للنقاش السياسي”. وأكد Huss أن من حق الطبيب الخاص أن يطلب أجراً أعلى من تعريفة التأمين الصحي الحكومي، “ولكن لا يمكن أن يرتفع هذا الأجر بلا حدود، بل يجب وضع سقف له”.
غرفة الأطباء ترفض المقترح وتدافع عن الأطباء الخاصين
من جانبها، ردت غرفة الأطباء (Ärztekammer) بشدة على تصريحات رئيس صندوق التأمين الصحي العام. فقد صرح المسؤول في الغرفة، السيد Edgar Wutscher، لوسائل الإعلام بأن “محاولة السيد Huss الحالية للنفور من آخر الأطباء الملتزمين الذين يتمتعون بالكفاءة في تقديم الرعاية كأطباء خاصين، هي محاولة خاطئة وغير صحيحة”. ونفى Wutscher بشدة أن يكون الأطباء الخاصون يطالبون بما يصل إلى عشرة أو خمسة عشر ضعفاً من تعريفة التأمين الصحي الحكومي، مؤكداً أن هذا الأمر “غير وارد”.
كما أعرب رئيس الهيئة الفيدرالية للأطباء العاملين لحسابهم الخاص عن معارضته لوضع حد أقصى لتعريفات الأطباء الخاصين، قائلاً: “نحن مهنة طبية حرة، وللطبيب نفسه، وليس لأي شخص آخر، الحق في إصدار فاتورة تتناسب مع خدماته”. وأضاف أنه في حال كانت الفاتورة مرتفعة حقاً، يمكن للمريض رفع دعوى قضائية أمام غرفة الأطباء. يذكر أن Wutscher كان قد انتقد في الصيف الماضي ما وصفه بـ “الضجيج المزعج” الذي يمارسه صندوق التأمين الصحي العام ضد الأطباء الخاصين.
وتؤكد غرفة الأطباء باستمرار أن “عقد التأمين الصحي الحكومي بات ‘محطماً'”، وأن هناك حاجة لإيجاد سبل لجعل العقود أكثر جاذبية للمبتدئين في المهنة. وفي هذا الصدد، قال السيد Johannes Steinhart، رئيس غرفة الأطباء في فيينا، يوم الاثنين، إن وضع سقف لأجور الأطباء الخاصين سيؤدي إلى عدم قدرة العديد منهم على الاستمرار في تقديم خدماتهم بتغطية التكاليف والحفاظ على مستوى عالٍ من الرعاية. وأضاف Steinhart: “الأطباء الخاصون يوفرون على النظام التضامني الذي يعتمد على المرضى في المستشفيات تكاليف وموارد يومياً. يجب أن يكون رئيس صندوق التأمين الصحي العام على دراية بذلك”.
كما جاء الرفض من صندوق التأمين الاجتماعي للعاملين لحسابهم الخاص (SVS). فقد أكد رئيسه، السيد Peter Lehner، أن “لوائح الأجور للأطباء الخاصين لن تحسن التعاون أو العرض”. وأوضح أن الأطباء الخاصين يزيدون من المرونة ويوسعون نطاق العرض المقدم من نظام التأمين الصحي الحكومي. وأشار إلى أن “من المنطقي تحقيق شفافية في تكاليف الخدمات الفردية”.
شركات التأمين الخاصة تؤيد صندوق التأمين الصحي العام
في غضون ذلك، تلقت دعوات صندوق التأمين الصحي العام دعماً من شركة التأمين الخاصة “Merkur” في ولاية شتايرمارك. وقد أكدت الشركة أنها تتلقى أحياناً فواتير من أطباء خاصين “تثير التساؤلات”، وأن هذا الأمر يؤدي إلى ارتفاع أقساط التأمين التي يتعين على العملاء دفعها.
من جهته، علق المتحدث باسم حزب الخضر لشؤون الصحة، السيد Ralph Schallmeiner، على اقتراح صندوق التأمين الصحي العام قائلاً: “وضع حد أقصى لا يغير جوهر المشكلة للأسف”. وأضاف Schallmeiner: “يجب أن يكون هدفنا توفير عدد كافٍ من مواعيد التأمين الصحي الحكومي، حتى لا يضطر أحد إلى اللجوء إلى الأطباء الخاصين”.
تتطلب النمسا عقدًا شاملاً موحدًا على مستوى البلاد، حيث يتعين على كل من صندوق التأمين الصحي العام (ÖGK) وغرفة الأطباء “تقديم ما لديهما” في المفاوضات المستمرة منذ عامين، والتي يُتوقع أن تسفر عن اتفاق بحلول منتصف العام المقبل.
بدأت المفاوضات حول العقد الشامل بين صندوق التأمين الصحي العام (ÖGK) وغرفة الأطباء قبل عامين، بهدف وضع إطار عمل موحد للعلاقات بين مقدمي الرعاية الصحية وشركات التأمين الصحي في جميع أنحاء النمسا. وتأتي هذه الخطوة في ظل الحاجة الملحة إلى تبسيط الإجراءات وتوحيد الشروط لضمان تقديم خدمات صحية فعالة وعادلة للمواطنين.
يُعد هذا العقد الشامل حجر الزاوية في إصلاح النظام الصحي النمساوي، حيث يسعى إلى معالجة التحديات القائمة وضمان استدامة الخدمات الصحية على المدى الطويل. وتُركز المفاوضات على جوانب متعددة، بما في ذلك تسعير الخدمات، وتنظيم الوصول إلى الرعاية، وتحديد مسؤوليات كل طرف.
تُشير التوقعات إلى أن التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول منتصف العام المقبل سيُشكل إنجازًا هامًا، وسيُمهد الطريق لتطبيق نظام صحي أكثر كفاءة وشفافية. وتُعد مشاركة كل من صندوق التأمين الصحي العام وغرفة الأطباء أمرًا حيويًا لنجاح هذه العملية، حيث يمثلان الجهتين الرئيسيتين المعنيتين بتنفيذ العقد.
تُعلق الآمال على أن يُسهم هذا العقد الشامل في تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين، وتقليل التكاليف غير الضرورية، وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة في القطاع الصحي. وتُشكل هذه المفاوضات فرصة سانحة لإعادة تشكيل مستقبل الرعاية الصحية في النمسا.



