قراءة في خطاب الرئيس فان دير بيلين.. دعوة الى حكومة تعيد النمسا إلى الصدارة بالشراكة مع المجتمع

في ظل حالة الجمود السياسي التي تعيشها النمسا عقب فشل جولتين سابقتين من محادثات تشكيل الحكومة، ألقى اليوم الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلين خطابا يمكن وصفة بالتاريخي ، اتسم بالصراحة والعمق ، وخاطب فيه الشعب مباشرة ، كشركاء في البناء والمستقبل ، كما عبّر فيه عن تفاؤله بشأن  إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب الثلاثة الرئيسية: الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الشعب، وحزب النيوز ، بعد جولتين من المفاوضات الفاشلة 

توفيق الحميدي
محامي يمني
مقيم في فيينا

وفي خطابه الذي حمل نبرة تصالحية و تفاؤلية ،  أشار الرئيس إلى تحوّل إيجابي في نهج المفاوضات، إذ بدا أن الأحزاب باتت تتعامل مع الحوار من منطلق المصلحة الوطنية المشتركة بدلًا من التنافس الأيديولوجي الضيق. هذا التغيير، كما أكد فان دير بيلين، يمثل خطوة نحو تجاوز المأزق السياسي الراهن، وهو ما تحتاجه البلاد بشدة في هذه المرحلة الحرجة.

إلى جانب الأزمة السياسية التي تواجهها النمسا ، اكد الرئيس أن  النمسا تواجه تحديات اقتصادية متفاقمة ، وأن إعادة هيكلة الموازنة في ظل الركود الإقتصادي سيكون مجهدا ،  حيث دعا المواطنين الي الاستعداد للسنوات المقبلة التي  وصفها بأنها   ستكون صعبة”، داعيًا الحكومة المقبلة إلى تبني سياسات إصلاحية لإعادة هيكلة الموازنة العامة في ظل الركود الاقتصادي.

وأوضح فان دير بيلين أن هذه المرحلة تتطلب مزيجًا من الترشيد المالي والاستثمار الذكي، مع التركيز على دعم الفئات الأكثر تضررًا من الأزمة، وهو ما يضع الأحزاب السياسية أمام مسؤولية كبرى لضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي دون المساس بمستوى المعيشة للمواطنين.

علي مستوي التطورات الجيوسياسية تطرّق الرئيس أيضًا إلى التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي  فرضت نفسها على أوروبا خلال الأسابيع الأخيرة، سيكون لها أثر في الوضع المستقبلي على النمسا كجزء من القارة الأوروبية ، مشيرًا إلى أن “اليقينيات التي استمرت لعقود بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا قد انهارت في غضون أسابيع”.

ودعا فان دير بيلين دول الاتحاد الأوروبي إلى التكاتف وتعزيز وحدتها في مواجهة هذه التحديات، مشددًا على أن القارة لم يعد بإمكانها الاعتماد على التحالفات التقليدية وحدها، بل يجب أن تدرك قوتها الذاتية وتسعى إلى بناء سياسات مستقلة تحافظ على مصالحها الاستراتيجية.

فيما يتعلق بالوضع الأمني، أكد الرئيس الحاجة إلى إجراءات حاسمة لمكافحة التهديدات الإرهابية، مشددًا في الوقت ذاته على ضرورة تجنب ردود الفعل المتطرفة التي قد تؤدي إلى تآكل الحريات المدنية.

وقال فان دير بيلين: “علينا أن نكون حازمين في مواجهة الخطر، دون المبالغة في ردة الفعل ”. هذه الرسالة تعكس نهجًا متوازنًا بين تعزيز الأمن الداخلي وحماية الحقوق المدنية، وهو ما يشكّل تحديًا معقدًا للحكومة المقبلة في ظل تصاعد المخاوف الأمنية في أوروبا.

بعيدًا عن السياسة والأمن، شدد الرئيس على أهمية تفعيل دور المجتمع المدني في عملية الإصلاح والتنمية، داعيًا المواطنين إلى “الإيمان بقدرتهم على تحقيق التغيير والسعي نحو التقدم بسرعة واستدامة”.

وفي هذا السياق، أكد أن الحكومة المقبلة لن تكون وحدها مسؤولة عن إعادة النمسا إلى الصدارة، بل يتطلب الأمر شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع، تستند إلى قيم العمل الجماعي والتضامن الاجتماعي.

في ختام خطابه، أعرب فان دير بيلين عن تطلعه إلى أن تستعيد النمسا مكانتها الريادية، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، ولكن أيضًا كدولة نموذجية في التقدم الاجتماعي والمجتمعي داخل الاتحاد الأوروبي.

وأكد أن النمسا تمتلك كل المقومات لتكون في طليعة الدول الأوروبية، لكن ذلك يتطلب قيادة سياسية رشيدة، ونهجًا قائمًا على التعاون بدلًا من الاستقطاب.

وختاماً خطاب فان دير بيلين يعكس إدراكًا عميقًا لحجم التحديات التي تواجه النمسا، لكنه في الوقت ذاته يسعى إلى الحفاظ على الأمل في إمكانية تجاوزها من خلال الحوار والتسوية السياسية.

فالخطاب تاريخي في هذه المرحلة ويدعو  الأحزاب السياسية إلى العمل  الجاد على إنجاح   تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ هذه الرؤية، حيث الوطن  في مفترق طريق خطيرة في جملة من التحديات ، وتحتاج الى قرارات  سياسية  حاسمة لتحديد مستقبل الوطن  خلال السنوات القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى