وزير المالية النمساوي يكشف عن خطة تقشف شاملة لخفض العجز ومواجهة أزمة الديون

قدّمت الحكومة النمساوية مشروع الموازنة المزدوجة للأعوام المقبلة، حيث أعلنت عن خطة تقشفية تهدف إلى خفض العجز في الميزانية من 4.7% إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العام، ليصل إلى 4.2% في العام المقبل، مع هدف استراتيجي بالخروج من إجراءات العجز المفرط التي تفرضها المفوضية الأوروبية بحلول عام 2028.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، استعرض وزير المالية النمساوي ماركوس مارترباور (Markus Marterbauer) من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ) مشروع الموازنة يوم الثلاثاء، مشيراً إلى أن الوضع “دراماتيكي بالفعل”، وأنه لا بد من إصلاح الميزانية لتقليل الاعتماد على مدفوعات الفوائد والأسواق المالية، وتوفير مساحة للإنفاق العام الأساسي.

العواقب المتوقعة دون إجراءات التقشف

خلال مؤتمر صحفي مشترك مع كاتبة الدولة باربارا إيبيغر-ميدل (Barbara Eibinger-Miedl) من حزب الشعب النمساوي (ÖVP)، حذّر مارترباور من أن العجز قد يرتفع إلى 5.8% هذا العام و5.9% في العام المقبل في حال عدم تنفيذ إجراءات التقشف، مضيفاً أن نسبة الدين العام قد ترتفع من 81.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 إلى 86.2% في العام المقبل، لتصل إلى 96.9% بحلول عام 2029.

وأوضح مارترباور أن خطة التقشف للعام الحالي تشمل توفير 6.4 مليار يورو، وستصل إلى 8.7 مليار يورو في العام المقبل، مع ضرورة تحقيق وفر أكبر لتغطية الإجراءات التوسعية مثل دعم العاطلين الأكبر سناً وتمويل عام دراسي ثانٍ في رياض الأطفال. وستبلغ قيمة التوفير الكلي هذا العام 7 مليارات يورو، لتصل إلى 10.3 مليارات يورو في عام 2026.

تفاصيل إجراءات التوفير والإيرادات

أفاد مارترباور أن ثلث إجراءات التوفير ستكون عبر زيادة الإيرادات، والباقي من خلال خفض النفقات، وهو ما يتوافق مع أنماط عمليات التقشف السابقة. من أبرز الإجراءات الإيرادية:

  • احتفاظ الحكومة بثلث ما يُعرف بـ”التقدم البارد” (kalte Progression).
  • فرض ضريبة إضافية على المصارف.
  • مساهمة من قطاع الطاقة الكهربائية (E-Wirtschaft).

أكبر مساهمة في التوفير تأتي من إلغاء “مكافأة المناخ” (Klimabonus)، مما سيوفر ملياري يورو، إضافة إلى خفض في الدعم العام.

رفع رسوم بطاقة التأمين الصحي وتذاكر المناخ

ضمن سياسة التقشف، سترتفع رسوم بطاقة التأمين الصحي الإلكترونية (E-Card)، كما سيتم رفع سعر “تذكرة المناخ” (Klimaticket) بشكل يفوق نسبة التضخم، بحيث يصل سعرها إلى نحو 1400 يورو بدءاً من العام المقبل، بزيادة تبلغ حوالي 200 يورو. وسيبدأ تنفيذ زيادة أولية في شهر سبتمبر المقبل.

كما سيتم إلغاء التذكرة المجانية التي كانت تُمنح للمراهقين في سن 18 عاماً. وتبلغ وفورات الحكومة من التعديلات على تذكرة المناخ 120 مليون يورو هذا العام، وستصل إلى 150 مليوناً في العام المقبل. في المقابل، تم رفع قيمة ما يسمى بـ”يورو التنقل” (Pendlereuro) ثلاث مرات، في إشارة إلى توجه جديد في سياسة المناخ.

اقتطاعات في التعاون الإنمائي والدفاع

عبّر وزير المالية عن أسفه لاضطرار الحكومة إلى تقليص المخصصات للتعاون الإنمائي وصندوق الكوارث الخارجية. فبعد أن تم تخفيضها إلى 10 ملايين يورو هذا العام، من المقرر أن يتم تقليصها إلى 40 مليوناً سنوياً ابتداءً من عام 2026.

وفي مجال الدفاع، أوضح الوزير أن الوصول إلى هدف 2% من الناتج المحلي الإجمالي في الإنفاق الدفاعي بحلول عام 2032 غير ممكن حالياً ضمن الإطار المالي المعتمد، مضيفاً أن مجموعة عمل حكومية ستبحث سبل تمويل المشتريات العسكرية المستقبلية.

خفض في المخصصات الاجتماعية والأسرية

ستطال إجراءات التقشف أيضاً مجالَي الرعاية الاجتماعية والأسرة. إذ ستُجمّد الزيادة الدورية (Valorisierung) للمخصصات مثل إعانة الأسرة (Familienbeihilfe) وبدل الطفل (Kindergeld) لمدة عامين. كما ستتأثر إعانات أخرى كان قد تقرر ربطها بالتضخم قبل ثلاث سنوات، ومنها:

  • بدل إعادة التأهيل (Reha-Geld).
  • منحة الدراسة (Studienbeihilfe).
  • منحة بدء العام الدراسي (Schulstartgeld).
  • مكافأة وقت الأسرة (Familienzeitbonus).

وفي المقابل، لا تنوي الحكومة حالياً إعادة التفاوض حول الاتفاق السخي مع الموظفين الحكوميين لعام 2026، الذي ينص على زيادة بنسبة 0.3% فوق التضخم، رغم أن مارترباور وصفه بأنه “غير موفق”، معرباً عن أمله في نتائج أكثر ملاءمة للموازنة في مفاوضات الرواتب لعام 2027.

توظيف محدود وتركّز في التعليم

فيما يتعلق بالوظائف في القطاع العام، لن تكون هناك تغييرات كبيرة في عدد الموظفين حتى عام 2029، باستثناء قطاع التعليم الذي سيشهد زيادة بنحو 900 وظيفة، نتيجة لتطبيق مقرر الأخلاقيات (Ethikunterricht) وزيادة عدد التلاميذ في المدارس الاتحادية.

توزيع العجز بين القطاعات الحكومية

أشار الوزير إلى أن الحكومة الفيدرالية ستسجل هذا العام والعام المقبل عجزاً بنسبة 3.5%، فيما تسجل الولايات والبلديات عجزاً قدره 1% هذا العام و0.7% في عام 2026. وستستفيد الكيانات الإدارية الأخرى من الإجراءات الضريبية، بنحو 350 مليون يورو إضافية في العام المقبل.

أما نظام التأمينات الاجتماعية، فسيظل متوازناً بفضل إجراءات مثل رفع مساهمة المتقاعدين في التأمين الصحي وزيادة رسوم بطاقة التأمين الصحي.

نحو خفض مستدام للعجز حتى 2029

أكّد مارترباور أن هدف الحكومة هو خفض العجز إلى 3.0% بحلول 2028 للامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي، ثم إلى 2.8% في عام 2029. لكنه أشار إلى أن عملية التقشف لن تتوقف عند ذلك، بل ستستمر حتى الوصول إلى هدف طويل الأمد بنسبة 2.0% في عام 2031، قائلاً: “سنصل على الأرجح إلى هذا الهدف في 2031.”

وفي ختام المؤتمر الصحفي، أعرب مارترباور وإيبيغر-ميدل عن ارتياحهما للتوافق السياسي حول الموازنة، وأكد الوزير: “أعتقد أننا حققنا إنجازاً كبيراً، ونحن فخورون به إلى حد ما”. فيما أضافت إيبيغر-ميدل: “لقد أعددنا الموازنة بطريقة بناءة وفي وقت قصير جداً، وهذا يبعث برسالة مفادها أن العمل والتعاون كانا جيدين بالفعل.”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى