الأسوأ للاجئين: كيكل من “خطر على أمن النمسا” إلى “مستشار الشعب”!

فشل محادثات تيار الوسط لتشكيل حكومة ائتلافية في النمسا فتح الطريق أمام زعيم حزب الحرية (FPÖ)، هيربرت كيكل، لتولي منصب المستشار. هذه الخطوة جاءت بعد تكليف الرئيس ألكسندر فان دير بيلين لحزب الحرية بتشكيل الحكومة، مما أثار جدلاً واسعاً حول توجهات كيكل السياسية وتأثيرها على المستقبل السياسي للنمسا.

هيربرت كيكل، الذي وُلد عام 1968 في مدينة فيلاخ بولاية كيرنتن، يُعرف بمواقفه المتشددة تجاه المهاجرين ومعارضته للعديد من السياسات الأوروبية، بما في ذلك الصفقة الخضراء والميثاق الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء. حصل حزبه على 28.8% من الأصوات في الانتخابات التشريعية في سبتمبر الماضي، مما جعله القوة الأكبر في البرلمان، بينما تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى تأييد 35% من الناخبين له.

على الرغم من أن كيكل يفتقر إلى الكاريزما التي ميزت بعض زعماء حزبه السابقين، إلا أن الناخبين أيدوه بسبب برنامج الحزب الانتخابي. استطلاعات محطة ORF أشارت إلى أن 2% فقط من الناخبين صوتوا له بسبب شخصه، ما يعكس التركيز على توجهات الحزب بدلاً من القائد الفردي.

سياسات كيكل وحزبه تثير قلقاً داخلياً وأوروبياً. فهو يعارض بشدة العقوبات المفروضة على روسيا ويرفض إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، مستنداً إلى حياد النمسا الذي أُقر عام 1955. في ملف الهجرة، يدعو كيكل إلى إغلاق الحدود وإعادة المهاجرين، ويرفض بشكل قاطع الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء.

توجهات كيكل تتجاوز النمسا لتؤثر على الاتحاد الأوروبي. فهو يدعو إلى تقليص دور المؤسسات فوق الوطنية وإعادة بعض الصلاحيات إلى الدول الأعضاء، دون الدعوة إلى الخروج من الاتحاد. هذا النهج يعكس رغبة في أوروبا حكومية دولية تفتقر إلى المؤسسات القوية.

صعود كيكل المحتمل إلى منصب المستشار يفتح الباب أمام تغييرات سياسية جذرية في النمسا، ويطرح تساؤلات حول تأثير ذلك على الاتحاد الأوروبي وسط التحديات العالمية الحالية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وعودة التيارات الشعبوية في الغرب.

هيربرت كيكل أثار الجدل بشكل مستمر في الساحة السياسية النمساوية، حيث وصفه المستشار السابق كارل نيهامر بـ”الخطر الأمني”. ورغم هذا الوصف، نجح كيكل في تحقيق شعبية واسعة جعلته يحصد تأييداً كبيراً في الانتخابات الأخيرة، فيلاخ، المدينة التي نشأ فيها كيكل، لم تشهد بروزاً لشخصيات سياسية ذات توجهات مثيرة للجدل مثله.

الناخبون الذين أيدوا حزب الحرية في الانتخابات الأخيرة برروا ذلك برغبتهم في تغيير النهج السياسي التقليدي. ويرى مراقبون أن مواقف كيكل المتشددة تجاه الهجرة واللجوء لعبت دوراً محورياً في استقطاب الأصوات، خصوصاً في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.

من بين النقاط التي أثارت حفيظة الكثيرين، استخدام حزب الحرية لتعبير “مستشار الشعب” لوصف كيكل. هذا التعبير يحمل دلالات تاريخية مرتبطة بالنظام النازي، حيث استخدمه أدولف هتلر قبل انتشار مصطلح “الفوهرر”. ومع ذلك، يصر حزب الحرية على التبرؤ من أي صلة بالنازية، ورفع دعوى قضائية ضد منظمة ذكرت خلفيات التعبير.

على صعيد العلاقات الدولية، يشير المحللون إلى أن مواقف كيكل المناهضة للاتحاد الأوروبي والعقوبات على روسيا قد تؤدي إلى توتر العلاقات بين النمسا والدول الأوروبية الكبرى. كيكل يؤكد أنه يدافع عن مصالح النمسا فقط، داعياً إلى اعتماد سياسات تخدم سيادة البلاد دون الخضوع للإملاءات الأوروبية.

فيما يتعلق بالمستقبل السياسي للنمسا، يترقب المواطنون والمراقبون بحذر تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة حزب الحرية. العديد من الأسئلة تُطرح حول كيفية تعامل كيكل مع التحديات الداخلية والخارجية، خصوصاً في ظل الظروف العالمية المتقلبة التي تشمل استمرار الحرب في أوكرانيا وعودة الخطابات الشعبوية في عدة دول غربية.

ختاماً، يبقى صعود هيربرت كيكل حدثاً غير مسبوق في تاريخ النمسا الحديث. نجاحه في الوصول إلى منصب المستشار قد يعيد تشكيل المشهد السياسي في البلاد ويؤثر على مكانتها داخل الاتحاد الأوروبي. الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد ملامح المرحلة الجديدة التي قد تكون مليئة بالتحديات والفرص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى