الرئيس الأسبق هاينز فيشر يدعو النمسا “فوراً” إلى الاعتراف بدولة فلسطين وتعزيز سياسة الحياد
تمسك الرئيس النمساوي الأسبق، هاينز فيشر (Heinz Fischer)، بانتقاده لطريقة إدارة إسرائيل للحرب الجارية في غزة، ووجه دعوة مباشرة إلى الحكومة الفيدرالية النمساوية اليوم (الاثنين، 3 نوفمبر 2025) لتعزيز التزامها بسياسة الحياد والعمل بجدية أكبر نحو إحياء “حل الدولتين”. وطالب فيشر، وهو سياسي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ)، الحكومة بـ الاعتراف الفوري بدولة فلسطين كخطوة أساسية لدعم عملية سلام حقيقية بعيدة المدى في المنطقة، مؤكداً أن التخلي عن مبدأ الحياد النمساوي لن يزيد من أمن البلاد.
أهمية الحياد النمساوي وموقعه الحالي
في مقابلة مع صحيفة “STANDARD”، أكد فيشر، الذي نشأ سياسياً في حقبة ما بعد الحرب، أن الحياد كان ركيزة أساسية لتطور النمسا المزدهر، ولا يزال يحتفظ بأهميته العملية.
وقال: “لا يمكن إنكار أن النمسا، و سويسرا، و أيرلندا، قد اكتسبت خبرة جيدة في ظل حيادها”. واستشهد بعبارة المستشار الألماني الأسبق Willy Brandt: “السلام ليس كل شيء، لكن من دون السلام لا شيء يساوي شيئاً”. وخلص إلى أن الحياد هو “نقطة انطلاق جيدة لسياسة السلام”، وهو ما يقدره أيضاً الشعب النمساوي.
وعن دور الوسيط الذي لعبته الجمهورية في السابق، خاصة في عهد المستشارين Kreisky و Vranitzky، أقر فيشر بأن هذا الدور لم يكن بنفس القدر في السنوات الأخيرة، معرباً عن أمله في أن تسعى الحكومة الجديدة جاهدة لتعزيزه، خاصة وأن النمسا هي دولة مضيفة لمقرات الأمم المتحدة.
الحياد والأمن من الهجمات
وبسؤاله عن المزايا التي تجنيها النمسا من حيادها اليوم، أجاب فيشر: “أكبر ميزة على الإطلاق هي: ألا يكون لديك أي شخص كعدو أو خصم في الحرب. فالهدف من الحياد هو ضمان السلام وتجنب الحرب”.
وفيما يخص تعرض النمسا لهجمات إلكترونية وأعمال تجسس، قال فيشر إن هذا لا يعني أن الحياد لا يحمي من الهجمات، وتساءل: “هل يعتقد أي شخص جاد أن الوضع سيتحسن لو تخلينا عن الحياد؟”. وأشار إلى أن بعض دول حلف شمال الأطلسي (Nato-Staaten) تتعرض لهجمات بطائرات بدون طيار أكثر بكثير من النمسا.
كما رفض فيشر اتهام النمسا بـ “التنصل من المسؤولية الأمنية” (sicherheitspolitischen Trittbrettfahrerei) في ظل التزام EU-Beistandspflicht، موضحاً: “نحن دولة محايدة ولدينا العديد من الحقوق والواجبات. وقبل كل شيء، نحن دولة تريد المساهمة في حل المشكلات السياسية سلمياً”. وأكد أن النمسا لديها “مجموعة كاملة من الخيارات” التي تتماشى مع الحياد لتقديم أعمال التضامن.
نقد ذاتي حول روسيا والاعتراف بخطأ في تقدير بوتين
تطرق فيشر إلى استقباله الودي للرئيس الروسي Putin في عام 2014، رغم ضم القرم (Krim) الذي يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، واعترف بأنه وغيره من السياسيين الأوروبيين لم يتنبأوا بنوايا Putin الحقيقية.
وأوضح: “كان موقف دول الاتحاد الأوروبي من روسيا بعد سقوط الستار الحديدي إيجابياً بشكل أساسي”، مشيراً إلى الحديث عن “البيت الأوروبي المشترك” والشراكة الاستراتيجية. وأكد أن ضم القرم غير قانوني، لكنه “لا يقارن بالغزو العسكري لأوكرانيا عام 2022”. واعترف بأن العديد من السياسيين الأوروبيين لم يأخذوا تحذير القرم على محمل الجد بما فيه الكفاية، “بما في ذلك الرئيس الفيدرالي النمساوي آنذاك”.
ضرورة الاعتراف بدولة فلسطين
تبنى فيشر وجهة نظر زميله في الحزب وصديقه Wolfgang Petritsch الذي طالب في مقال سابق لصحيفة “STANDARD” بأن تعترف النمسا بـ فلسطين. وقال فيشر: “أنا أؤيد هذا الرأي“.
وأكد أن “السلام في الشرق الأوسط يفترض ضمان حق إسرائيل في الوجود، وكذلك حق فلسطين في الوجود. ويجب أن تُقدَّر الكرامة الإنسانية للإسرائيليين والفلسطينيين على قدم المساواة”. وشدد على أن أي طرف (سواء فلسطيني أو إسرائيلي) يدعي أن “من النهر إلى البحر” هي ملك له بالكامل، فـ “كلاهما على خطأ”.
وفيما يتعلق بموقف الحكومة النمساوية التي ترى أن الاعتراف يجب أن يأتي في نهاية عملية السلام (كما كان مقرراً في Oslo-Prozess الفاشل)، عارض فيشر هذا التوقيت قائلاً:
“إسرائيل تريد منع الاعتراف بفلسطين كدولة بأي وسيلة. فإذا جعلنا هذا الاعتراف يعتمد على عملية سلام سابقة، فلن تنجح العملية أبداً”.
وأكد أن النمسا المحايدة تتحمل مسؤولية دعم تسوية سلمية دائمة، ويرى أنها يجب أن تعترف بـ فلسطين، أسوة بالعديد من الدول التي سبقتها.
انتقاد نتنياهو يخدم مستقبل إسرائيل
ورداً على الانتقادات الموجهة له حول ربطه حرب إسرائيل المتوحشة في غزة بزيادة معاداة السامية (Antisemitismus)، قال فيشر إنه يرى أن Benjamin Netanjahu بسياساته “يغذي الكراهية ويزيدها”، مما يؤدي إلى مزيد من التطرف و الانفعالية.وأضاف فيشر: “لقد قلت ما يقوله اليوم عدد أكبر بكثير من الناس: إن حرب الحكومة الإسرائيلية قد أدت إلى مقتل وإلحاق الأذى بأناس غير متورطين على نحو لا يتوافق مع حماية الحياة والأعراف الدولية”. وشدد على أن هذا ليس معاداة للسامية، بل هو خدمة لمستقبل إسرائيل، حيث يرى أنه “صنع خدمة لإسرائيل عندما يتم تبيان للسكان أن طريقة Netanjahu غير مقبولة”.



