النمسا تحيي ذكرى استقلالها.. دعوات لاستلهام دروس الماضي لمواجهة تحديات الحاضر
فيينا – INFOGRAT:
دعا رئيس الجمهورية النمساوية ألكسندر فان دير بيلين (Alexander Van der Bellen)، يوم الأحد، إلى القصر الإمبراطوري هوفبورغ (Hofburg) لإحياء الذكرى الثمانين لإعادة تأسيس جمهورية النمسا، حيث أقيم احتفال رسمي بهذه المناسبة. وأشاد رئيس الدولة، خلال كلمته، بالمقاومة المنظمة ضد ديكتاتورية النازيين، كما نوّه بروح “التسوية والوفاق” التي سادت بين المجموعات السياسية المتناحرة سابقًا.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، قال فان دير بيلين متحدثًا عن يوم 27 أبريل 1945، الذي أعلنت فيه النمسا استقلالها: “لقد عاد نبض وطننا ينبض من جديد”، وأضاف أن هناك أفرادًا، حتى أثناء دكتاتورية النازيين، ظل الإيمان بالحرية والاستقلال والديمقراطية حيًا في قلوبهم، وذكر، من بين هؤلاء، مجموعة المقاومة O5، بالإضافة إلى شخصيات مثل الناشطة الاشتراكية أنتونيا بروها (Antonia Bruha) والكاهن هاينريش ماير (Heinrich Maier).
وفي حديثه عن “روح شارع المعسكر” (Geist der Lagerstraße)، استحضر فان دير بيلين الروح التي سادت بين خصوم سياسيين سابقين، مثل الاشتراكيين الديمقراطيين، المسيحيين الاجتماعيين، والشيوعيين، الذين تجمعوا في معسكرات الاعتقال النازية، داعيًا إلى استلهام هذا النموذج الذي تمثل في “التسوية الجميلة، القديمة، التي أحيانًا ما يساء فهمها”، والتي تقوم على إيجاد حلول مشتركة بروح من الاحترام المتبادل. وأكد أن الديمقراطية والحرية لا يمكن أن تصمدا إلا من خلال العمل المشترك والاحترام المتبادل.
كما أشار إلى أن هذا الدرس المستفاد من التاريخ يجب أن يُطبق في الحاضر، موضحًا: “حتى في أيامنا هذه، من المهم أن نتخذ خطوات فعلية لدعم القيم الصحيحة، وأن نتجاوز حدود التعليق السلبي، حتى وإن لم تكن فرص النجاح مضمونة”. وأوضح فان دير بيلين أن “الطريق النمساوي” المعتمد على التسوية قد جلب في النهاية الرخاء والسلام الطويل الأمد للبلاد، وأن هذا النجاح، إلى جانب الاندماج الأوروبي، يمنح الأمل في مواجهة التحديات الراهنة.
من جانبه، أثنى نائب المستشار أندرياس بابلر (Andreas Babler)، المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ)، خلال تصريحات أدلى بها يوم السبت، على روح التكاتف الوطني، مؤكدًا أن “تأسيس الجمهورية وإعادة بناء النمسا بعد أهوال نظام الإرهاب النازي ما كان ليحدث لولا وحدة البلاد وجهود مواطنيها”. وشدد على ضرورة تعزيز دولة القانون القوية، وحقوق الإنسان، واحترام المؤسسات، والتضامن المجتمعي، بشكل يومي.
وفي المقابل، استغل زعيم حزب الحرية النمساوي هيربرت كيكل (Herbert Kickl) المناسبة لتوجيه انتقادات لاذعة. وأكد في بيان صحفي الأحد أن إعلان الاستقلال، ومعاهدة الدولة، وقانون الحياد شكلوا الأساس لازدهار النمسا خلال العقود الماضية، لكنه حذر من أن هذا الأساس “قد تم التخلي عنه بسبب السياسات الخاطئة للحكومات السابقة”. واعتبر كيكل أن السيادة الوطنية “تتعرض للتهديد عبر النزعات المركزية للاتحاد الأوروبي”، كما أن الحياد النمساوي يتم تقويضه، و”يُدمر تدريجيًا الازدهار الذي تم تحقيقه بشق الأنفس”، مطالبًا بحماية النمسا.
أما رئيس حزب الخضر فيرنر كوغلر (Werner Kogler)، فقد أكد أن الذكرى تمثل تذكيرًا بقيمة الديمقراطية والسلام ودولة القانون، قائلاً في بيان صحفي: “كل هذه المكاسب لم تُمنح لنا، بل تم تحقيقها بالنضال، وما تزال عرضة للخطر”. وأضاف أن الديمقراطية ليست حالة دائمة بل تتطلب الحماية والعمل المستمر.
واختتمت الفعاليات عقب كلمة رئيس الجمهورية بمحاضرة ألقاها المؤرخ كريستوفر كلارك (Christopher Clark)، تلاها حوار مُدار جمع بين طالبة وشاهد عيان من تلك الفترة، بحضور عدد من ممثلي وممثلات الحكومة الفيدرالية.



