بسبب نظام المساعدات.. بيانات تكشف لأول مرة عن هجرة داخلية كبرى نحو فيينا تتبع الاعتراف باللجوء
كشفت بيانات جديدة صدرت لأول مرة عن سلوك انتقال طالبي اللجوء والأشخاص الحاصلين على الحماية الفرعية (subsidiär Schutzberechtigten) داخل النمسا، حيث أظهرت “هجرة داخلية” ضخمة نحو العاصمة فيينا، بعد الاعتراف بوضعهم، وهو ما يفرض عبئًا غير متكافئ على ميزانية الرعاية الاجتماعية للعاصمة، بحسب صحيفة krone النمساوية.
تغير المشهد الديموغرافي بعد الاعتراف باللجوء
بعد الحصول على قرار لجوء أو حماية إيجابي، تتغير ظروف المستفيدين بشكل كبير، بما في ذلك مكان إقامتهم، وآفاقهم، واستحقاقات الدعم. وحتى وقت قريب، لم يكن بالإمكان سوى التكهن بمدى تأثير هذه المرحلة على المشهد الديموغرافي في النمسا. ولكن، سدت مجموعة بيانات جديدة أعدها الصندوق النمساوي للاندماج (Österreichischer Integrationsfonds – ÖIF) بناءً على طلب صحيفة “كرونه” (Krone) هذه الفجوة، وكشفت عن عدد الأشخاص الذين يغيرون أماكن إقامتهم بعد الاعتراف بوضعهم وإلى أين يتجهون.

موجة تنقل سريعة النطاق
بالنسبة لعام 2024، تظهر البيانات نمطًا ملفتًا: فمن بين 3930 شخصًا حصلوا لأول مرة على قرار إيجابي في العام الماضي ولم يكونوا مقيمين في فيينا، قام ما يقرب من النصف بتغيير مكان إقامتهم (بنسبة 46%)، وكان هذا الانتقال في الغالب سريعًا جدًا. فقد قام 82% من هؤلاء المنتقلين بنقل مركز حياتهم الجديد خلال الأشهر الثلاثة الأولى. هذا يوضح أن المرحلة التي تلي الاعتراف بالوضع ليست مجرد مرحلة إدارية، بل هي مرحلة تتسم بحركة تنقل داخلية واسعة النطاق.
تمركز لافت في العاصمة فيينا
يُلاحظ أن حركة التنقل تكون قوية بشكل خاص بين الحاصلين على الحماية الفرعية. ففي عام 2023، انتقل 60.1% منهم إلى فيينا بعد الاعتراف بوضعهم. وعلى الرغم من انخفاض النسبة في عام 2024، إلا أنها لا تزال أعلى بكثير مما كان يُفترض، حيث بلغت 56.2%. وتظهر اختلافات إقليمية هائلة؛ ففي بعض الولايات الفيدرالية، يغادر أكثر من نصف الحاصلين على الحماية الفرعية المنطقة بعد وقت قصير من الاعتراف بوضعهم:
- النمسا العليا (Oberösterreich): 69%
- كيرنتن (Kärnten): 68%
- بورغنلاند (Burgenland): 67%
- ستيريا (Steiermark) والنمسا السفلى (Niederösterreich): 65% لكل منهما.
ومن المثير للاهتمام أن الولايات التي تزيد الدعم المالي (Mindestsicherung) للحاصلين على الحماية الفرعية نادرًا ما يتم مغادرتها؛ ففي تيرول (Tirol)، يغادر أقل من واحد من كل عشرة (9%)، وفي فيينا لا يغادرها سوى اثنين بالمئة (2%) فقط.
فيينا هي الوجهة شبه الوحيدة للانتقال
تُظهر بيانات صندوق الاندماج النمساوي (ÖIF) أن هذه التنقلات ليست مبعثرة، بل تتجه في الغالبية العظمى من الحالات إلى الوجهة ذاتها وهي فيينا.
- بالنسبة لـ النمسا العليا وستيريا، بلغت نسبة المنتقلين الذين يستقرون في فيينا بعد الاعتراف بوضعهم 94% لكل منهما.
- بالنسبة لـ النمسا السفلى كانت النسبة 92%.
- بالنسبة لـ بورغنلاند كانت النسبة 90%.
وبذلك، تم توثيق أن الهجرة الداخلية بعد الاعتراف بالوضع تتجه في أغلبيتها الساحقة إلى فيينا.
توزيع غير متكافئ للنفقات الاجتماعية
ينعكس هذا التطور المستمر منذ سنوات في الأرقام الحالية للإعانة الاجتماعية (Sozialhilfe) والحد الأدنى للدعم (Mindestsicherung). وفقًا لإحصائيات هيئة الإحصاء النمساوية (Statistik Austria)، بلغ متوسط عدد الأشخاص الذين يتلقون الدعم المالي في النمسا العام الماضي 206,000 شخص. يقيم جزء كبير منهم، أي 149,000 شخص، في فيينا. وهذا يعني أن حوالي ثلاثة أرباع الأشخاص الذين يعتمدون على الدعم قد استقروا في فيينا.
وفيما يتعلق بالمهاجرين: من بين 149,000 مستفيد، يوجد 60,000 من الحاصلين على اللجوء و12,600 من الحاصلين على الحماية الفرعية. وتظهر الأرقام المزيد من الوضوح:
- من أصل 77,648 لاجئًا حاصلاً على اللجوء يتلقون الدعم في النمسا، يعيش 60,135 في فيينا.
- من أصل 13,652 شخصًا حاصلاً على الحماية الفرعية يتلقون الدعم، يعيش 12,647 في فيينا، أي الأغلبية الساحقة.
التفسيرات من المستفيدين وتحديات سوق العمل
لطالما نوقشت أسباب هذا التوجه، ولكن إجابات المستفيدين أنفسهم كانت صريحة بشكل مفاجئ. فقد تضمنت دراسة نشرتها مؤخرًا هيئة سوق العمل النمساوية (AMS-Studie) مقابلات مع لاجئين سوريين يبررون اختيارهم لمكان الإقامة بوضوح. عبر أحدهم بالقول: “الخدمات والدعم المالي في فيينا أفضل من الولايات الأخرى، ولكني أجد الولايات الأخرى أجمل من فيينا.” وأوضح مستجوب آخر ببساطة أنه انتقل إلى فيينا بسبب وضعه “الفرعي” (subsidiären Status) “لأن الدعم المالي هناك أفضل”. ويُضاف إلى ذلك مزيج من كثافة الدورات التدريبية، والخدمات البنية التحتية، والمجتمع الأكبر. لكن أرقام صندوق الاندماج النمساوي (ÖIF) الجديدة توضح مدى انعكاس هذه الدوافع في السلوك الفعلي.
وعلى صعيد سوق العمل، تكمل بيانات هيئة سوق العمل (AMS-Daten) الصورة ببعد آخر: يُظهر الاندماج في سوق العمل في فيينا تباطؤًا مقارنة بالولايات الأخرى. فاللاجئون السوريون يجدون فرص عمل أسرع في النمسا العليا أو ستيريا، بينما يظلون في فيينا لفترات أطول في حالة بطالة أو في دورات تدريبية. وتلعب عوامل متعددة دورًا في ذلك: انخفاض مستوى اللغة الألمانية في عينة فيينا، وانخفاض المستوى التعليمي الرسمي، وقلة الخبرة المهنية السابقة. وهذا يخلق مفارقة: فيينا تجذب معظم الأشخاص بعد الاعتراف بوضعهم، لكنها في الوقت نفسه هي الولاية التي يكون فيها الدخول إلى سوق العمل أبطأ بشكل خاص.
رد فعل فيينا على تطور الأوضاع
ردت المدينة على هذا التطور بإصلاح لقانون المساعدة الاجتماعية (Sozialhilfereform) سيدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من عام 2026. فاعتبارًا من بداية العام، سيفقد الحاصلون على الحماية الفرعية حقهم في الحصول على الحد الأدنى من الدعم (Mindestsicherung)، وسيعودون بالكامل إلى الرعاية الأساسية (Grundversorgung) — ويشمل ذلك حتى أولئك الذين يعيشون بالفعل في فيينا. وبذلك، تكسر المدينة عمدًا المسار الخاص الذي كانت تتبعه حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، خفضت فيينا حصص الإسكان للعائلات، الأمر الذي سيقلل، وفقًا لمجلس المدينة (Rathaus)، حوالي 400 يورو شهريًا من دخل عائلة مكونة من خمسة أفراد. كما سيتم التعامل مع الشقق المشتركة (WGs) مستقبلاً كـ “مجتمعات بحاجة” (Bedarfsgemeinschaften)، مما يقلل من الاستحقاقات لكل شخص. وفي الوقت نفسه، تبقى مخصصات الأطفال مرتفعة دون تغيير: 326 يورو لكل طفل، بغض النظر عن العدد.



