فجوة المعاشات في النمسا بين الجنسين لا تزال فوق 39% رغم تراجعها البطيء
يصادف يوم الخميس 7\8\2025 “يوم المساواة في المعاشات” (Equal Pension Day) في النمسا، وهو اليوم الرمزي الذي يُظهر أن الرجال قد حصلوا بالفعل، حتى هذا التاريخ، على نفس مقدار المعاشات التقاعدية التي ستحصل عليها النساء فقط بحلول نهاية العام، ورغم تقلص الفجوة لأول مرة إلى أقل من 40%، إلا أن وتيرة تقليصها لا تزال بطيئة للغاية، بحسب الخبراء، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).
أطلقت Frauenausschuss des Städtebunds (لجنة المرأة التابعة لاتحاد البلديات) “يوم المساواة في المعاشات” قبل عشر سنوات بهدف تسليط الضوء على الفجوة الكبيرة في المعاشات بين النساء والرجال. ففي عام 2015 كان اليوم يُصادف 26 يوليو، بينما حل هذا العام في 7 أغسطس، ما يعكس تقليص الفجوة من 43,3% إلى 39,7% خلال عقد، أي انخفاض بـ3,6 نقاط مئوية فقط.
وبحسب بيانات Eurostat، لا تزال النمسا من الدول ذات أعلى فجوة تقاعدية داخل الاتحاد الأوروبي، ولا تتفوق عليها إلا هولندا ومالطا. وأشارت خبيرة المعاشات ورئيسة لجنة التأمين على الشيخوخة Christine Mayrhuber، من Wirtschaftsforschungsinstitut – WIFO، إلى أن دولًا أوروبية أخرى أحرزت تقدمًا أسرع من النمسا في تقليص هذه الفجوة.
فجوات كبيرة بين الولايات والفئات المهنية
على مستوى الولايات النمساوية، تُعد فيينا من المناطق الرائدة، حيث يحل Equal Pension Day في 19 سبتمبر، أي في وقت متأخر من السنة، ما يعكس فجوة أقل. أما ولاية Vorarlberg، الواقعة غرب البلاد، فهي الأسوأ أداءً، حيث حل اليوم هناك في 13 يوليو.
كما أظهرت البيانات تباينات كبيرة بين الفئات المهنية، إذ تُسجَّل أكبر فجوة لدى النساء العاملات لحسابهن الخاص، حيث تصل إلى 68%. وتؤكد Mayrhuber أن كثيرًا من هؤلاء النساء يتقاضين معاشات دون عتبة الفقر.
أرقام تكشف هشاشة الوضع المالي للنساء
تشير بيانات Volkshilfe وMomentum Institut إلى خطر كبير للفقر في سن الشيخوخة بين النساء. فبينما يحصل الرجال على معاش شهري إجمالي يبلغ في المتوسط 2.535 يورو، تتقاضى النساء 1.527 يورو فقط – أي أقل بنحو 1.000 يورو.
وأوضحت Hanna Lichtenberger، مديرة قسم الأبحاث الاجتماعية في Volkshilfe، أن هذه الأرقام مشوهة جزئيًا بفعل إدراج معاشات الموظفات الحكوميات، وأن المقياس الأفضل هو الوسيط الإحصائي (Median)، الذي يُظهر أن نصف النساء يتقاضين أقل من هذا المستوى، وغالبًا ما يكون تحت عتبة خطر الفقر.
دراسات تقترح إصلاحات محدودة الأثر
درس معهد WIFO لصالح Arbeiterkammer Oberösterreich عدة سيناريوهات لتقليص الفجوة في نظام التقاعد، منها:
- زيادة تقييم فترات العمل الجزئي المرتبطة برعاية الأطفال والبطالة.
- اعتماد قاعدة احتساب المعاش على أفضل 15 سنة من الدخل، بدلًا من الحساب مدى الحياة (وهو خيار مكلف سياسيًا).
- احتساب الفجوة في الأجور (Gender Pay Gap) عبر رفع قاعدة احتساب اشتراكات النساء.
ورغم أن بعض السيناريوهات أظهرت نتائج أفضل، إلا أن Mayrhuber توصي بتركيز الجهود على رفع تقييم فترات التأمين الجزئي خلال السنوات الأربع الأولى من رعاية الأطفال، ما قد يُقلص الفجوة إلى 37%، ويمنح الاعتراف اللازم لهذا العمل الاجتماعي المهم.
وأكدت Mayrhuber أن الحلول داخل نظام التقاعد غير كافية بمفردها: “يمكن التخفيف من التفاوتات الهيكلية، لكن لا يمكن إزالتها بالكامل”.
دعوات للمساواة وتوزيع أفضل للأدوار
ترى Mayrhuber أن خطوات خارج نظام التقاعد ضرورية لتقليص الفجوة، مثل تعزيز الشفافية في الأجور، ومراجعة تقييم الأعمال: “لماذا تُقيّم المهن التقنية أعلى من العمل في قطاع التعليم؟”، كما أشارت إلى أن فجوة الأجور بين خريجي الجامعات من الجنسين تظهر في غضون أول 18 شهرًا من العمل، حيث يكسب الذكور في المتوسط 11% أكثر.
ردود فعل سياسية: من الاتهامات إلى المبادرات
حمّل حزب الخضر مسؤولية الفجوة إلى “الإقصاء الهيكلي والتقصير السياسي لعقود من قبل ÖVP وSPÖ”، مطالبًا بحق قانوني في رعاية الأطفال، ومساواة في توزيع العمل غير مدفوع الأجر، وشفافية في الأجور.
أما FPÖ فدعا إلى رفع الأجور في القطاعات ذات الدخل المنخفض، وأخذ فترات رعاية الأطفال ورعاية الأقارب بالحسبان في نظام التقاعد.
من جانبه، أكد الأمين العام لاتحاد البلديات Thomas Weninger على أهمية إدماج الرجال في العمل غير المأجور، وتوسيع البنية التحتية لرعاية الأطفال، وتعزيز الشفافية في الرواتب.
خطط حكومية وتحديات مستقبلية
حتى الآن، لم تقدّم الساحة السياسية حلولًا نهائية. وتعمل الحكومة (ÖVP-SPÖ-NEOS) على تطبيق توجيهات الاتحاد الأوروبي بشأن الشفافية في الأجور بحلول منتصف عام 2026. وتدعو وزيرة شؤون المرأة Eva-Maria Holzleitner (SPÖ) إلى مزيد من الشفافية لمكافحة فجوة الأجور وبالتالي فجوة المعاشات.
أما NEOS فيرى أن ارتفاع معدل العمل الجزئي بين النساء هو العامل الأساس في الفجوة، ويدعو إلى تقليصه.
بدورها، وصفت وزيرة الشؤون الاجتماعية Korinna Schumann (SPÖ) الفجوة بأنها “نتاج لعقود من التفاوتات الهيكلية في سوق العمل وتوزيع الأدوار”، محذّرة من توقّع حلول فورية، مشيرة إلى خطوات تدريجية، مثل إلزامية السنة الثانية في رياض الأطفال، والرفع التدريجي لسن التقاعد القانوني للنساء إلى 65 عامًا بحلول 2033.
وتشير بيانات Pensionsversicherung إلى تحسن نسبي، إذ بلغت الفجوة بين معاشات الداخلين الجدد إلى التقاعد عام 2024 حوالي 34%، وهي أقل من المعدل العام لباقي المتقاعدين والمتقاعدات.



