فضيحة مالية في حزب الحرية النمساوي.. اتهامات باختلاس أكثر من مليون يورو ضد Strache وNepp

فتحت السلطات القضائية النمساوية ملف تحقيق واسع يشمل شخصيات بارزة في حزب الحرية النمساوي (FPÖ)، من بينهم الزعيم السابق للحزب ونائب المستشار السابق Heinz-Christian Strache، وذلك بعد أن كشفت تقارير الشرطة عن اختلاس أكثر من مليون يورو من أموال الحزب لصالح إنفاقات خاصة وفاخرة.

وبحسب صحيفة derstandard النمساوية، جاء ذلك بعدما أرسل مكتب التحقيقات الجنائية الاتحادي في مطلع أبريل تقريره الختامي، الذي يتجاوز حجمه 5000 صفحة، إلى النيابة العامة في فيينا، حيث تضمن أدلة جمعها المحققون من خلال فحص دقيق لنحو 12.800 إيصال نفقات، تتعلق بشكل رئيسي بـ Heinz-Christian Strache وزوجته السابقة Philippa Strache. التقرير بات في عهدة النيابة العامة، التي ستقرر ما إذا كانت ستوجه اتهامات رسمية أم تحفظ القضية.

حفلات فاخرة مدفوعة من ميزانية الحزب

تعود بعض الأحداث التي أثارت الشكوك إلى ديسمبر 2015، حين أمر Strache مساعدته الشخصية بتنظيم مأدبة فاخرة بمناسبة “احتفال عائلي بمناسبة عيد الميلاد”، طلب فيها مأكولات بحرية مثل السلمون، وشمبانيا، ومشاعل لتزيين حديقة منزله قرب Klosterneuburg، وطلب بشكل صريح أن تُسجل الفاتورة على حساب “حفلة عيد الميلاد لحزب FPÖ”. بلغت تكلفة الحفل 6850 يورو، وتم إرسال الفاتورة مباشرة إلى المكتب الاتحادي للحزب.

وأكدت محامية Strache أن المناسبة كانت تجمعاً لأعضاء الحزب وأسرهم، في محاولة لتبرير تحميل التكلفة على ميزانية الحزب.

قائمة الاتهامات تطال قيادات نشطة

يتضمن التقرير أيضاً أسماء ستة أشخاص آخرين إلى جانب Strache، من بينهم زعيم فرع الحزب في فيينا Dominik Nepp، الذي شغل أيضاً منصب مسؤول الشؤون المالية للحزب المحلي، بالإضافة إلى اثنين من أسلافه. كما وردت أسماء Philippa Beck (الاسم الجديد لـ Philippa Strache)، العضوة السابقة في البرلمان، ومديري المكتب الفيدرالي للحزب Joachim Stampfer وHans Weixelbaum، المقربين من رئيس الحزب الحالي Herbert Kickl، رغم أن الأخير لا يُعد متهماً في القضية.

نفقات شخصية وسلوك منتظم

تتمحور التحقيقات حول اتهامات بسوء الأمانة وفقاً للمادة 153 من قانون العقوبات، حيث يُعتقد أن المتهمين سمحوا بصرف أموال الحزب على نفقات خاصة تخص Strache، ما ألحق ضرراً مالياً بأربعة كيانات تابعة للحزب (المكتب الفيدرالي، فرع فيينا، الكتلة البرلمانية، ونادي بلدية فيينا)، وكلها تتلقى تمويلاً عاماً. قدر المحققون قيمة الضرر بمبلغ 1.091.189 يورو و8 سنتات.

يتضمن الملف أيضاً نفقات مثل السجائر، الهواتف الذكية، اشتراكات نوادٍ رياضية، وجليسات أطفال، بل وحتى خدمات تنظيف وسلع منزلية. يُعتقد أن الحزب تكفل برواتب هؤلاء الموظفين الشخصيين في منازل Strache.

نظام محاسبة مريب

توصل المحققون إلى وجود نظام معقد للتلاعب بالنفقات، تضمن استخدام “صناديق نقدية” منتشرة في مكاتب متعددة، تم تزويدها بالأموال من خلال تحويلات على الحسابات الخاصة لموظفين مقربين من Strache. كما تم الحديث عن “قروض نفقات” تُمنح له، ثم يتم تصفيتها لاحقاً. كذلك أورد التقرير مزاعم بأن موظفين قدموا فواتير غير صحيحة على اسم Strache للاستفادة من أموال الحزب.

شهادة الحارس الشخصي

يلعب الحارس الشخصي السابق لـ Strache، Oliver Ribarich، دوراً محورياً في التحقيقات، إذ قدم شهادات تفصيلية في أكثر من 40 جلسة استجواب. قال فيها إن الاستخدام غير المسؤول لأموال الحزب كان شائعاً داخل الحزب، مؤكداً أن حتى موظفين من مستويات دنيا استفادوا من هذا النظام، بخلافه هو. كما أشار إلى مقولة دارجة في الحزب: “لا شيء غالٍ عندما يكون المال ليس مالك.”

إتلاف مستندات بعد فضيحة إيبيزا

كشف التقرير أن الحزب أتلف عدداً كبيراً من الفواتير والمستندات مباشرة بعد تسريب فيديو إيبيزا في مايو 2019، الذي هز المشهد السياسي النمساوي. ومعظم الوثائق التي تم الاحتفاظ بها كانت تتعلق بـ Strache. هذا ما فسّره البعض في محيطه بأنه محاولة من قيادات الحزب للتنصل من المسؤولية وتحميله كامل العبء.

دفاع Strache: ضحية لموظفين فاسدين

نفى Strache بشكل متكرر الاتهامات، مؤكداً أنه سدد جميع نفقاته الخاصة نقداً، مشيراً إلى أنه كان يطلب توضيح الأبعاد السياسية في كل إيصال يُقدَّم. قالت محاميته Gunilla Prohart إن طبيعة عمل رئيس الحزب لا تسمح له بالإشراف اليومي على المحاسبة.

وأضافت أن بعض الفواتير التي نُسبت إليه تخص في الحقيقة موظفين آخرين، ضُمنت ضمن نفقاته ظلماً، سواء من خلال تقديم فواتير كاذبة أو استخدام نفقات غيره.

الجدل حول “الطبيعة السياسية” لبعض النفقات

استعان بعض المتهمين برأي دستوري قدمه الخبير القانوني Heinz Mayer، الذي أكد أن القانون يسمح بهامش كبير في كيفية استخدام أموال الأحزاب، خصوصاً إذا كانت تلك المصاريف تخدم “تشكيل الإرادة السياسية”. على هذا الأساس، دافع البعض عن تمويل حفلات زفاف، اشتراكات رياضية، أو حتى تجديد منازل، باعتبارها ذات “قيمة دعائية”.

تشعبات أخرى في ملف النفقات

القضية الحالية ما هي إلا فرع من عدة ملفات متشابكة تتعلق بفضيحة النفقات. تم بالفعل إغلاق تحقيق ضد Nepp بشأن نفقاته الخاصة، في حين تستمر التحقيقات بحق Harald Vilimsky، القيادي البارز في الحزب. كما يُنتظر محاكمة Peter Fichtenbauer، السياسي السابق والمحامي العام السابق، في قضية ذات صلة.

وفي النهاية، ورغم كل هذه المعطيات، فإن جميع المتهمين لا يزالون يتمتعون بقرينة البراءة إلى حين صدور حكم قضائي نهائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى