قطاع الأعمال يطالب الحكومة بمسار واضح لدعم التحول الأخضر والتنافسية
فيينا – INFOGRAT:
شهدت الأسابيع الأخيرة نقاشات مكثفة حول مستقبل الاقتصاد النمساوي في سياق مفاوضات تشكيل الحكومة، حيث تم تصوير التنافسية الاقتصادية وكأنها تتعارض مع حماية المناخ، إلا أن ممثلي قطاع الأعمال يؤكدون أن التحول الأخضر يوفر فرصًا هائلة للشركات، شريطة أن تتخذ الحكومة قرارات سياسية واضحة بغض النظر عن التوجهات الأيديولوجية.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، أكدت كريستيانه برونر (Christiane Brunner)، عضو مجلس إدارة منظمة “الرؤساء التنفيذيون من أجل المستقبل” (CEOs for Future)، أن “الحياد المناخي والتنافسية الاقتصادية لا يتعارضان، بل يعزز كل منهما الآخر”، مشيرة إلى أن التحول في مجال الطاقة يمكن أن يكون عاملًا أساسيًا لتعزيز قدرة النمسا التنافسية.
وتضم المنظمة أكثر من 80 شركة رائدة، من بينها Coca-Cola، شركة السكك الحديدية ÖBB، شركة الطرق السريعة ASFINAG، سلسلة متاجر Billa، وشركة Wien Energie، وجميعها تتشارك في هدف إزالة الكربون وتعزيز الاستدامة.
استثمارات ضخمة في مشاريع خضراء
تلعب الشركات دورًا رئيسيًا في التحول الأخضر، إذ تخطط الشركات الأعضاء في “CEOs for Future” لاستثمار حوالي 45 مليار يورو خلال العقد القادم في مشاريع تهدف إلى إزالة الكربون، وتعزيز الاقتصاد الدائري، وحماية التنوع البيولوجي.
وأوضحت برونر أن هذه “استثمارات ضخمة لن تعود بالنفع فقط على الشركات، بل ستساهم في خلق وظائف جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي في النمسا”. ومع ذلك، حذرت من أن هذه الاستثمارات قد تكون معرضة للخطر في حال لم تعتمد الحكومة سياسة مستقرة وواضحة، حيث قد يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى حالة من عدم اليقين لدى الشركات.
مطالب بتحديد مسار واضح وبيئة تنظيمية مستقرة
أكدت برونر أن الحكومة يجب أن تحافظ على التزاماتها المناخية بغض النظر عن التغيرات السياسية، مضيفة: “يجب أن يكون واضحًا إلى أين نتجه، وأن تكون هناك قرارات حاسمة وإجراءات ملموسة”.
وأظهرت دراسة حديثة أن التحول الأخضر قد يزيد الناتج المحلي الإجمالي للنمسا بنسبة 3٪ بحلول عام 2050، حيث يُتوقع أن يتضاعف سوق التكنولوجيا الخضراء ثلاث مرات بحلول عام 2030.
بناءً على ذلك، يطالب قادة الأعمال الحكومة بـ:
- تطوير بنية تحتية تدعم الطاقة المتجددة
- تقليل القيود التنظيمية الصارمة
- تحديد إطار تمويلي واضح لمشاريع إزالة الكربون
- تقديم دعم مالي مباشر للقطاعات المتأثرة بالتحول المناخي
النمسا لديها إمكانات هائلة للتحول الأخضر
على الرغم من التحديات الجيوسياسية والاعتماد على الطاقة الأحفورية، ترى برونر أن النمسا تمتلك فرصًا كبيرة لتصبح رائدة في التحول المناخي. وأشارت إلى أن البلاد “تُعد من بين أكثر المواقع تطورًا عالميًا، كما أن لديها ميزة في التحول إلى الطاقة النظيفة”، مؤكدة أن “النمسا كانت دائمًا موطنًا لشركات رائدة في الابتكار التكنولوجي، ولا تزال كذلك”.
“هولسيم” تسعى للتحول من ملوث مناخي إلى رائد في الاستدامة
من بين الشركات التي تتبنى هذا التحول شركة “هولسيم” (Holcim)، وهي أكبر شركة إسمنت في النمسا وأحد أكبر موردي مواد البناء في العالم. وعلى الرغم من أن صناعة الإسمنت مسؤولة عن حوالي 8٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، فإن الشركة تعمل على إنتاج إسمنت خالٍ من الكربون بحلول عام 2030 باستخدام تقنية التقاط الكربون (Carbon Capture Technology)، التي تعمل على احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه تحت الأرض.
وأشار الرئيس التنفيذي للشركة، هايمو بريماس (Haimo Primas)، إلى أن شركته خصصت أكثر من ملياري يورو للاستثمار في إزالة الكربون من الصناعة. لكنه شدد على أن تنفيذ هذه المشاريع يعتمد على إطار قانوني واضح ودعم حكومي، مضيفًا: “يجب السماح بتخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض في النمسا، ويجب توفير الحوافز المالية للمشاريع الرائدة مثل مشروعنا”.
الاستدامة ليست مجرد التزام بيئي.. بل نموذج اقتصادي ناجح
رغم التباطؤ العالمي في جهود مكافحة التغير المناخي، يعتقد بريماس أن الاستدامة يمكن أن تكون نموذجًا اقتصاديًا ناجحًا. وأضاف أن “أوروبا يجب أن تحافظ على دورها الريادي في مجال الطاقة المتجددة، خاصة مع تقدم الصين في هذا المجال”.
واتفقت معه الخبيرة الاقتصادية المناخية سيغريد شتاغل (Sigrid Stagl)، التي انتقدت السياسات البيئية المتراجعة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مؤكدة أن “إصراره على دعم مناجم الفحم لم يكن قرارًا اقتصاديًا عقلانيًا، بل إن السوق نفسها لم تعد تجد نموذجًا اقتصاديًا مجديًا لهذه الصناعة”.وفي ظل استمرار تغير المناخ، شددت شتاغل على أن التحول الأخضر لم يعد خيارًا، بل ضرورة اقتصادية وبيئية، قائلة: “أزمة المناخ لا تنتظر أحدًا”.
