العالم بحاجة إلى ممارسي السلام أكثر من أي وقت مضى

د. زياد الخطيب

يشهد عالمنا اليوم الكثير من الصراعات. هناك حروب تدور في بلدان عديدة، وتتفكك فيها العائلات، ويفقد الناس منازلهم، وأحيانًا حتى الأمل. ومن خلال عملي في المساعدات الإنسانية، والآن في مجال الصحة العامة، أرى أننا نفتقد أمرًا أساسيًا. نحن بحاجة إلى مزيد من ممارسي السلام.

د. زياد الخطيب
بروفيسور مشارك
في الصحة العالمية
مقيم في فيينا

ممارسو السلام هم أولئك الذين يعملون من أجل السلام كل يوم، ليس فقط بالكلام، بل بالأفعال. قد يكونون ممرضين، معلمين، طلابًا، آباءً، أو جيرانًا. إنهم أشخاص يهتمون بعمق بالآخرين، ويسعون لبناء الثقة واللطف والتفاهم. يختارون جمع الناس لا تفريقهم.

في أوقات الحرب، يعاني الناس من جميع الأطراف. الأطفال، الأمهات، الأجداد، والمجتمعات بأكملها يتحملون الألم، بغض النظر عن البلد الذي يعيشون فيه أو اللغة التي يتحدثونها. لا يختار ممارسو السلام طرفًا في الكراهية. بل يختارون أن يعترفوا بإنسانيتنا المشتركة، ويساعدوا في شفاء جراح الانقسام.

ويبدأ هذا العمل من مجتمعاتنا المحلية: في أحيائنا، ومدارسنا، والقطاع الصحي، وبيوتنا. هو أن نبني أماكن يشعر فيها الجميع بالأمان والاحترام. أن نصغي قبل أن نحكم، وأن نخدم الآخرين بتواضع. أن نتمسك بالكرامة حتى عندما يكون الأمر صعبًا.

ممارسة السلام تعني العمل يوميًا لجعل العالم أفضل قليلًا. أن نتحدث بلطف، ونعامل الآخرين باحترام، ونرفع من يشعر بالتهميش أو النسيان. وأن نؤمن بأن التنوع قوة، وليس مشكلة يجب حلها، بل هدية يجب حمايتها.

في عالم اليوم، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تشكيل الأفكار والمشاعر والمحادثات. كممارسي سلام، يجب أن نستخدم هذه الأدوات بحكمة. ليس المهم أن نكون أعلى صوتًا، بل أن نكون أكثر وعيًا. ما ننشره يجب أن يرفع من مستوى الحديث، لا أن يفرق. ما نشاركه يجب أن يوضح الصورة، لا أن يزيدها تشويشًا. في زمن تنتشر فيه المعلومات الخاطئة والغضب بسرعة، يجب أن تعكس أفعالنا على الإنترنت قيمنا: الوحدة، والصدق، والرحمة.

من المهم أن ندرك أن التغيير الحقيقي لا يحدث بين ليلة وضحاها. بل يتشكل عبر خطوات صغيرة ومتواصلة. أحيانًا يُطلق على هذا النهج اسم “الانحراف الإيجابي”، وهو عندما يختار بعض الأفراد أو المجتمعات سلوكًا مختلفًا عن المألوف، لكنه يحمل في طياته بذور التقدم. هؤلاء الذين يزرعون الأمل في أماكن الألم، ويصنعون جسورًا حيث توجد الجدران، هم من يقودون حركة التغيير بصمت وفعالية. وتُظهر التجارب أن هذه التغيرات البسيطة، إن نمت في بيئة من الإيمان والعمل المشترك، يمكن أن تثمر مستقبلًا أكثر عدلًا وازدهارًا للجميع.

ليس عليك أن تكون مشهورًا أو قويًا للقيام بهذا الدور. يمكنك أن تكون ممارسًا للسلام كطالب، أو كأب أو أم، أو كعامل، أو كصديق. يمكنك أن تبدأ بمساعدة جار، أو بمبادرة في الحي، أو حتى بمجرد اختيارك للطيبة عندما يختار الآخرون الغضب.

العالم يتألم، ولكن لا يزال هناك أمل. إذا قرر المزيد من الناس أن ينهضوا، ليس فقط كخبراء أو مهنيين، بل كممارسي سلام، يمكننا أن نبني شيئًا أفضل. معًا، يمكننا أن نبني مجتمعات أقوى، وأكثر عدلًا، ومليئة بنور السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى