الحكومة النمساوية تطرح قانونًا لمراقبة تطبيقات التراسل لمكافحة الإرهاب
فيينا – INFOGRAT:
قدّمت الحكومة النمساوية الجديدة، خلال جلستها الثانية في غضون شهر واحد، مسودة قانون لمراقبة تطبيقات التراسل الفوري، مع تركيز خاص على الأنشطة الإرهابية والمهددة للدستور، في وقت أثارت فيه هذه الخطوة ردود فعل متباينة داخل الائتلاف الحكومي وبين صفوف المعارضة، بينما ناقشت الجلسة أيضًا تعديل الاستراتيجية الأمنية الوطنية وتحديد المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، قدّمت الحكومة النمساوية الجديدة، خلال جلستها المنعقدة يوم الثلاثاء، مسودة مشروع قانون لمراقبة تطبيقات التراسل (Messenger-Überwachung)، كأحد أهم مخرجات الاجتماع، الذي يُستكمل يوم الأربعاء، وذلك في ظل تصاعد التهديدات الأمنية المرتبطة بالإرهاب والتجسس، وفقًا لما أعلنه وزير الداخلية غيرهارد كارنر (Gerhard Karner) من حزب الشعب النمساوي (ÖVP)، الذي عبّر عن ارتياحه لهذا التطور.
مراقبة محدودة بقانون وشروط صارمة
وبحسب المشروع الجديد، فإن الوصول إلى محتوى الرسائل عبر تطبيقات التراسل الفوري سيكون محصورًا فقط في حالات الأنشطة الإرهابية أو تلك التي تهدد النظام الدستوري، مثل التحضير لهجمات إرهابية أو تشكيل جماعات إرهابية، وكذلك في حالات التجسس.
ويشترط وجود معطيات مسبقة تم جمعها عن طريق المراقبة التقليدية تفيد بأن المشتبه بهم يستخدمون تطبيقات التراسل. كما يجب استصدار أمر قضائي لكل حالة على حدة، وتكون كل عملية مراقبة خاضعة لمراقبة المفوض المعني بحماية الحقوق القانونية (Rechtsschutzbeauftragter).
تحديد الفترة وعدد الحالات
المشروع يحدد أن المراقبة يمكن أن تُطبّق لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، وفي حال تجاوز عدد الحالات 35 حالة سنويًا، يتعين تقديم تقرير خاص إلى اللجنة الفرعية الدائمة التابعة للجنة الداخلية في البرلمان.
لم يُحدد نوع البرنامج (السوفتوير) الذي سيتم استخدامه في عمليات المراقبة، حيث سيتم البت في ذلك لاحقًا، بعد الانتهاء من الإجراءات التشريعية.
وقال كارنر خلال نشرة ZIB 17:00:
“الشرطة اليوم لا يمكنها رؤية ما يفعله الإرهابيون والمتطرفون عبر هذه البرامج. نحن بحاجة إلى التكافؤ في الإمكانيات”، وأضاف أن “السكان لن يتأثروا بذلك، لأنها حالات قليلة فقط في السنة”.
دعم وتحفظ داخل الائتلاف الحكومي
وكيل الدولة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ)، يورغ لايشتفريد (Jörg Leichtfried)، أكد هو الآخر أن لا وجود لمخاوف من “مراقبة جماعية”، مشددًا على أن المراقبة “ستكون الحل الأخير” في الحالات القصوى، وأنه “لم تعد هناك أي شواغل دستورية” تجاه المشروع الجديد، بل اعتبره مستقرًا من الناحية القانونية.
تحفظ من حزب NEOS وتأكيد على مواصلة النقاش
على الجانب الآخر، بدا حزب نيوس (NEOS)، الشريك الأصغر في الائتلاف، متحفظًا. ففي بيان صحفي، اعتبر الحزب أن الخطوة الحالية لا تعني التبني النهائي للمشروع، مشيرًا إلى وجود “مجال كبير للتحسين” في المسودة الحالية.
وقد رحبت رئيسة الحزب ووزيرة الخارجية، بياته ماينل-رايسينغر (Beate Meinl-Reisinger)، ببعض التعديلات التي تم إدخالها، مثل إشراك اللجنة البرلمانية الفرعية مبكرًا، لكنها أكدت أن النقاش لا يزال في بدايته، في ظل فترة مراجعة تستمر ثمانية أسابيع.
المعارضة تُحذّر من “مراقبة جماعية”
حزب الحرية (FPÖ)، عبر أمينه العام كريستيان هافينيكر (Christian Hafenecker)، أعرب عن رفضه القاطع للمشروع، مطالبًا NEOS بعدم دعم ما وصفه بـ “أداة للمراقبة الجماعية من إنتاج حزب ÖVP”.
كما أبدى حزب الخضر (Die Grünen) حذره، وأعلن أنه سيقوم بفحص المشروع الجديد بعناية شديدة للتحقق مما إذا كان يستوفي المتطلبات الدستورية، خصوصًا فيما يتعلق باستخدام برمجيات التجسس (Spyware) وحصان طروادة الفيدرالي (Bundestrojaner)، إذ اعتبر المتحدث باسم الحزب لشؤون الرقمنة، سليمان زوربا (Süleyman Zorba)، أن “مثل هذه الأدوات قد تمهّد لفضائح مراقبة جديدة”.
مراجعة الاستراتيجية الأمنية الوطنية
تناول الاجتماع أيضًا الاستراتيجية الأمنية النمساوية، التي ستُعدّل مجددًا بعد أن كانت الحكومة قد أقرت نسخة جديدة منها عام 2024، حيث كانت روسيا لا تزال تُعتبر شريكًا استراتيجيًا في النسخة السابقة.
وزيرة الدفاع كلوديا تانر (Klaudia Tanner) صرّحت أن الأمور قد “تغيّرت بشكل كبير”، مؤكدة أن الولايات المتحدة لا تزال تُعتبر القوة الحامية للنمسا. ودعت إلى توافق سياسي واسع حول الاستراتيجية الجديدة، التي سيتم تقديمها للبرلمان لمناقشتها بشكل موسّع.
مبادئ جديدة للسياسة الخارجية ومشاركة مجتمعية
أعلنت الحكومة عن توافقها حول المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية، حيث قالت ماينل-رايسينغر إن “العالم قد خرج عن مساره”، مشيرة إلى أن شركاء سابقين لم يعودوا يعتمد عليهم، وسط تزايد التهديدات مثل المعلومات المضللة، والإرهاب، والتطرف.
وشدد وكيل الدولة لايشتفريد على ضرورة مواجهة هذه التحديات دون المساس بالحياد العسكري للنمسا، مع إشراك المواطنين من خلال جمعيات عامة للنقاش، وإدماج العلم والاقتصاد في هذه القضايا، بالإضافة إلى تعزيز التوعية بالمخاطر الأمنية والمناعة الديمقراطية في المدارس ومؤسسات التعليم.
الجيش النمساوي كحامي للحياد: دعوات لزيادة الميزانية الدفاعية
قالت ماينل-رايسينغر وتانر إن الحياد وحده لا يكفي لحماية النمسا، مشيرتين إلى أن الجيش هو الجهة القادرة فعليًا على ذلك. وقد دعت وزيرة الدفاع مجددًا إلى رفع الميزانية الدفاعية، بما يتماشى مع البرنامج الحكومي الذي يطمح إلى تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي (BIP) بحلول عام 2032.
كما رحّبت الخارجية النمساوية بخطط الاتحاد الأوروبي للتسلح، والتي من المنتظر أن تصل استثماراتها إلى 800 مليار يورو، مؤكدة على رغبة النمسا في المساهمة الفعالة ضمن هذه المبادرة، بعد دراستها بتفصيل أكبر.



