تصاعد الجدل الحكومي في النمسا حول العمل الجزئي مع بلوغ أعداد العاملين 1.4 مليون

انتقدت أحزاب الائتلاف الحاكم في النمسا بعضها البعض حول سياسات العمل الجزئي، إذ وصف وزير الاقتصاد Wolfgang Hattmannsdorfer (من حزب ÖVP) يوم السبت العمل الجزئي بأنه “جاذب أكثر من اللازم”، داعيًا إلى تعزيز العمل بدوام كامل، بينما رد حزب SPÖ يوم الإثنين بأن الحل يكمن في تحسين ظروف العمل، وليس انتقاد الموظفين. وعبّر حزب NEOS عن ترحيبه بالنقاش لكنه دعا إلى تقديم حوافز بدلاً من فرض قيود، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).

شهدت الحكومة الفيدرالية النمساوية انقسامًا بشأن قضية العمل الجزئي، عقب تصريحات أدلى بها وزير الاقتصاد Wolfgang Hattmannsdorfer يوم السبت، حيث وصف العمل الجزئي بأنه “أصبح جذابًا أكثر من اللازم”، مطالبًا بما أسماه “عودة الأداء والمنافسة” وتشجيع العمل بدوام كامل باعتباره “مسألة مسؤولية مجتمعية”، وأضاف أن الحكومة قد اتخذت بالفعل إجراءات مثل إلغاء إجازة التعليم (Bildungskarenz) والسماح بمداخيل إضافية للعاطلين عن العمل لزيادة عدد ساعات العمل الفعلي، إلا أنه صرح بعدم تفهمه إطلاقًا لمن يختارون العمل الجزئي “دون أي التزامات رعاية أو مشاكل صحية”.

في المقابل، رد وزير المالية Markus Marterbauer (من حزب SPÖ) يوم الإثنين عبر منشور على منصة Bluesky، موضحًا أن انتقاد العاملين بدوام جزئي، ومعظمهم من النساء، أمر غير مقبول، مشددًا على ضرورة تحسين ظروف العمل وتوفير فرص عمل جزئي لائق يمكن العيش منه، وأشار إلى أن متوسط عدد ساعات العمل الأسبوعية للعاملين بدوام جزئي يبلغ 21 ساعة، في حين أن العديد منهم يرغبون بالعمل لمدة 30 ساعة أسبوعيًا.

كما أكدت وزيرة العمل Korinna Schumann (من حزب SPÖ) في بيان صحفي أن انتقاد من يعملون بدوام جزئي ليس مقبولًا، داعية إلى مراعاة التوازن في توزيع أعباء الرعاية غير المدفوعة، والتي تتحملها النساء غالبًا، كشرط مسبق لزيادة ساعات العمل.

وشدد Marterbauer، على أن العديد من العاملين، خاصة في قطاع التجارة، يودون العمل لساعات أطول، لكنهم لا يجدون الفرص الكافية لذلك. ووفقًا لدراسة أعدها معهد البحوث الاقتصادية WIFO، فإن نحو 140 ألف عامل بدوام جزئي في النمسا مستعدون فورًا لزيادة ساعات عملهم بمعدل 11 ساعة أسبوعيًا في حال أُتيحت لهم الفرصة.

أما حزب NEOS، الشريك الثالث في الحكومة، فقد رحب بإطلاق النقاش حول العمل الجزئي، وفق ما صرح به المتحدث باسم الشؤون الاجتماعية في الحزب Johannes Gasser لإذاعة Ö1، مؤكدًا أن العمل بدوام كامل يجب أن يصبح أكثر جدوى، ولكن من خلال الحوافز لا القيود.

ورغم أن Hattmannsdorfer أثار النقاش بحدة، فإنه لم يقدم أي مقترحات ملموسة، إذ ينوي في المرحلة الأولى التركيز على التوعية، لأن الكثيرين لا يدركون الآثار المترتبة على العمل الجزئي فيما يخص المعاشات التقاعدية، واصفًا الوضع بـ”دعوة للاستيقاظ”.

جدير بالذكر أن النقاش حول العمل الجزئي ليس جديدًا، إذ دعت قطاعات الاقتصاد والصناعة منذ سنوات إلى تعزيز العمل بدوام كامل. ففي عام 2023، اقترح وزير الاقتصاد الأسبق Martin Kocher (من حزب ÖVP) تقليص المساعدات الاجتماعية لبعض فئات العاملين بدوام جزئي، مع استثناء الأمهات والعاملين في مجال الرعاية الصحية.

وفي سياق الانتقادات، عبّرت أحزاب المعارضة عن رفضها لمقترحات حزب ÖVP، حيث أعلنت FPÖ (حزب الحرية) رفضها لأي ضغط حكومي على الموظفين، داعية بدلاً من ذلك إلى تخفيف الأعباء وتحفيز الأداء، وفق ما نقلته إذاعة Ö1. أما حزب الخضر، فوصف الطرح بأنه “أوهام عقابية”، مقترحًا تقليص ساعات العمل بدوام كامل بدلًا من فرض قيود على العمل الجزئي، مع وضع حد أدنى قانوني له.

من جهتها، أبدت Barbara Teiber، رئيسة نقابة GPA ونائبة عن حزب SPÖ، موقفًا متوازنًا، حيث اعتبرت في حديثها مع إذاعة Ö1 أن تمكين العاملين من العمل لساعات أطول له آثار إيجابية، خاصة على مستوى المعاشات التقاعدية. لكنها أكدت رفضها لفكرة “الأنظمة العقابية”، داعية إلى تسهيل التوسع في ساعات العمل. ولفتت إلى أن العديد من القطاعات، مثل التجارة والرعاية الصحية، تتيح فقط العمل بدوام جزئي، وأن العاملين في هذا النمط يعانون بالفعل من تقاعد أقل وإعانات بطالة منخفضة.

وبحسب بيانات Statistik Austria، فإن أكثر من 1.4 مليون شخص في النمسا يعملون بدوام جزئي، ما يجعل البلاد من بين الأعلى في الاتحاد الأوروبي من حيث نسبة العاملين بهذا النمط. وتشير بيانات WIFO إلى أن نحو ثلث القوة العاملة يعملون بدوام جزئي، وتزداد النسبة بشكل كبير لدى من تجاوزوا سن الخمسين.

ويُسجَّل تفاوت واضح بين الجنسين، حيث يعمل رجل واحد من كل سبعة بدوام جزئي، مقارنة بامرأة واحدة من كل اثنتين. وتُعد مسؤوليات الرعاية من أبرز أسباب العمل الجزئي، لا سيما في القطاعات الصحية والاجتماعية، والمدارس، ورياض الأطفال، وكذلك في مجالي التجارة والمطاعم والفنادق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى