هل تستطيع النمسا قانونيًا تعليق لمّ شمل السوريين استناداً للمادة 72 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي؟
فيينا – INFOGRAT:
أعلنت الحكومة النمساوية الجديدة بقيادة كرستيان شتوكر من حزب الشعب، تعليق لمّ شمل اللاجئين السوريين، مستندةً إلى المادة 72 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي (Artikel 72 AEUV)، والتي تمنح الدول الأعضاء صلاحيات استثنائية لضمان الأمن الداخلي والنظام العام، ويأتي هذا القرار عقب سقوط نظام بشار الأسد، رغم أن سوريا لم تُصنَّف حتى الآن كبلد آمن، مما أثار انتقادات حقوقية واسعة.

اعلامي عربي
مقيم في فيينا
مبررات النمسا القانونية وتعليق لمّ الشمل
أكدت الحكومة النمساوية أن القرار يستند إلى المادة 72 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، والتي تتيح للدول الأعضاء تعليق بعض الحقوق أو اتخاذ تدابير استثنائية إذا رأت أن ذلك ضروري للحفاظ على الأمن الداخلي والنظام العام. وبموجب هذا القرار، سيتم تعليق إجراءات لمّ شمل العائلات لطالبي اللجوء السوريين بأثر فوري، مما يعني أن اللاجئين المعترف بهم لن يتمكنوا مؤقتًا من إحضار أفراد أسرهم إلى النمسا.
وأوضحت الحكومة النمساوية الجديدة على لسان وزير الداخلية غيرهارد كارنر أن سقوط نظام الأسد وتغير الأوضاع السياسية في دمشق دفعها إلى إعادة تقييم سياسة اللجوء، معتبرةً أن استمرار السماح بلمّ الشمل قد يؤدي إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، وهو ما ترى فيه تهديدًا للأمن القومي والإدارة السلسة لنظام الهجرة.
عدم تصنيف سوريا كبلد آمن وتداعيات القرار
على الرغم من تعليق لمّ الشمل، لم تُصنّف سوريا حتى الآن كبلد آمن وفقًا للمعايير الأوروبية، وهو ما يثير جدلًا قانونيًا، فبموجب القانون الدولي، لا يمكن ترحيل اللاجئين إلى دولة لا تزال تعتبر غير آمنة، ومع ذلك، فإن تعليق لمّ الشمل قد يزيد من معاناة اللاجئين السوريين الذين ينتظرون إعادة جمع شملهم مع عائلاتهم في النمسا.
عدة منظمات حقوقية انتقدت القرار، معتبرةً أنه يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الأوروبية التي تضمن حق اللاجئين في لمّ شمل أسرهم. كما حذّرت من أن الوضع في سوريا لا يزال خطيرًا، وأن أي خطوة لإعادة اللاجئين قد تعرّضهم لخطر الاعتقال أو الاضطهاد.
سابقة بولندا والمجر: استخدام المادة 72 لتقييد اللجوء
لم يكن قرار النمسا الأول من نوعه في أوروبا، حيث سبق لدول مثل بولندا والمجر الاستناد إلى المادة 72 AEUV لتقييد سياسات الهجرة واللجوء.
- في بولندا، استخدمت الحكومة هذه المادة لرفض استقبال اللاجئين ضمن نظام إعادة التوطين الإلزامي الذي فرضه الاتحاد الأوروبي، بحجة أن ذلك يشكل خطرًا على أمنها الداخلي.
- أما المجر، فقد اعتمدت المادة نفسها لإغلاق حدودها في وجه طالبي اللجوء عام 2015، وبررت ذلك بأن تدفقات اللاجئين تشكل تهديدًا لنظامها العام، وهو ما أدى إلى نزاعات قانونية مع الاتحاد الأوروبي وغرامات مالية باهظة فرضت عليها.
إمكانية الطعن في القرار وتداعياته القانونية
يمكن لمنظمات حقوقية أو حتى الأفراد المتضررين رفع دعاوى قضائية ضد القرار النمساوي أمام المحاكم الوطنية أو محكمة العدل الأوروبية (ECJ)، بحجة:
- عدم تقديم النمسا أدلة كافية تُثبت أن لمّ الشمل يشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن الداخلي.
- التعارض مع الالتزامات الدولية، مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) التي تضمن الحق في الحياة الأسرية.
- التطبيق غير المتناسب للمادة 72، حيث لم يُثبت أن لمّ الشمل يُهدد الأمن القومي فعليًا.
واعتبرت منظمة العفو الدولية – فرع النمسا (Amnesty International Österreich) القرار انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان، داعية الحكومة إلى التراجع الفوري عنه.
إدانة حقوقية: قرار غير إنساني وغير قانوني
في تصريح رسمي، قالت إيمي شتوفليسر (Aimée Stuflesser)، خبيرة اللجوء والهجرة لدى منظمة العفو الدولية في النمسا:
“قرار الحكومة النمساوية بتعليق لمّ الشمل يمثل انتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.”
وأشارت إلى أن تفريق العائلات يتسبب في معاناة هائلة ويعيق اندماج اللاجئين في المجتمع النمساوي، مؤكدةً أن هذه السياسة تتعارض مع الالتزامات القانونية الدولية التي تحمي الحق في الحياة الأسرية.
ودعت منظمة العفو الحكومة إلى التراجع فورًا عن هذا الإجراء غير الإنساني وغير القانوني، محذرةً من التداعيات الخطيرة لهذا القرار على اللاجئين المعترف بهم.
إشارة سلبية لحماية حقوق الإنسان
وأضافت شتوفليسر أن الحكومة النمساوية ترسل إشارة سلبية بشأن التزامها بحماية حقوق الإنسان، قائلةً:
“حكومة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان لا يمكنها تبرير تقييد هذه الحقوق.”
وأوضحت أن الحكومة، تحت شعار مكافحة الهجرة غير النظامية، تلغي السبيل القانوني الوحيد الذي يمكّن اللاجئين من إحضار أفراد أسرهم بطرق آمنة. ونتيجة لذلك، قد يلجأ العديد منهم إلى رحلات محفوفة بالمخاطر وغير قانونية للوصول إلى النمسا، مما يزيد من التحديات الإنسانية والأمنية.
دعوة إلى تبني سياسات إنسانية بديلة
أكدت منظمة العفو الدولية أن لمّ شمل العائلات حق أساسي، مشيرةً إلى أنه لا يعزز فقط الاستقرار الاجتماعي، بل يسهم أيضًا في اندماج اللاجئين الناجح في المجتمع.
وطالبت المنظمة الحكومة النمساوية باحترام التزاماتها الحقوقية، وعدم عرقلة لمّ شمل الأسر، مشددةً على ضرورة التركيز على سياسات أكثر إنسانية، مثل برامج الاستقبال المنظمة التي توفر طرقًا آمنة وقانونية للاجئين، وتضمن حمايتهم بدلًا من تعريضهم للخطر.
خلاصة القول
قرار النمسا بتعليق لمّ شمل اللاجئين السوريين ومن في حكمهم من الفلسطينين السوريين استنادًا إلى المادة 72 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي يعكس اتجاهًا متزايدًا في أوروبا نحو تشديد سياسات اللجوء، ورغم أن الحكومة تبرر هذه الخطوة باعتبارات الأمن الداخلي، إلا أن عدم تصنيف سوريا كبلد آمن يجعل القرار محل جدل قانوني وإنساني.ويبقى السؤال: هل ستتمكن النمسا من الدفاع عن قرارها أمام المؤسسات الأوروبية، أم ستواجه طعونًا قانونية قد تؤدي إلى إلغائه؟



