انخفاض نسبة البناء السكني في النمسا لأدنى مستوى في 15 عامًا وسط تحذيرات من ارتفاع الأسعار

شهد قطاع البناء السكني في النمسا تراجعًا حادًا، حيث بلغ عدد تصاريح بناء الوحدات السكنية الجديدة في عام 2024 أدنى مستوى له منذ أكثر من 15 عامًا، وفقًا لبيانات صادرة عن مكتب الإحصاء النمساوي “Statistik Austria” يوم الخميس. ويُتوقع أن يؤدي استمرار هذا الاتجاه إلى زيادة إضافية في أسعار الإيجارات والعقارات على السوق الحرة.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، أوضحت “Statistik Austria” أنه تم إصدار تصاريح لبناء 31.200 وحدة سكنية جديدة في العام الماضي، ما يمثل انخفاضًا بنسبة 8.5 في المئة مقارنة بعام 2023، وتراجعًا بنحو 40.000 وحدة عن ذروة عام 2017. وأشارت البيانات الصحفية إلى أن “نشاط البناء السكني في النمسا وصل إلى أدنى مستوياته منذ عام 2010”.

وذكرت الهيئة أن التراجع الملحوظ في وتيرة البناء، وسط تزايد عدد السكان، سيؤدي إلى تقليص المعروض من الوحدات السكنية في السنوات القادمة، ما سيؤدي بدوره إلى ضغط تصاعدي على الأسعار سواء للإيجار أو الشراء.

أرقام واضحة وتوقعات سلبية

نشر الاتحاد المهني للوسطاء العقاريين وخبراء إدارة الأصول في غرفة التجارة النمساوية (Wirtschaftskammer – WKO) يوم الأربعاء تقديرًا يُشير إلى أنه من المتوقع الانتهاء من بناء 25.200 وحدة سكنية فقط هذا العام. ويُعد هذا انخفاضًا كبيرًا مقارنةً بعام 2021، حين تم الانتهاء من بناء 46.000 وحدة. وجاء هذا التقدير استنادًا إلى تقرير “النمسا الأول للبناء الجديد 2025”.

وسُجلت الانخفاضات الأكبر في فئة شقق الإيجار الممولة ذاتيًا (frei finanzierte Mietwohnungen)، حيث يُتوقع أن ينخفض عدد الشقق المنجزة من 7.600 في عام 2024 إلى 4.700 فقط في عام 2025. وتُعتبر لائحة الإجراءات التمويلية العقارية لمؤسسات الإقراض (Kreditinstitute-Immobilienfinanzierungsmaßnahmen-Verordnung – KIM)، التي فُرضت عام 2022 وتفرض شروطًا صارمة على رأس المال الذاتي، أحد الأسباب الرئيسية لهذا التراجع. ومن المقرر أن تنتهي هذه اللائحة في نهاية يونيو/حزيران.

زيادة ملحوظة في أعمال الترميم والتعديل

وفقًا لأحدث بيانات “Statistik Austria”، تم في العام الماضي إصدار تصاريح لبناء 51.473 وحدة سكنية على مستوى النمسا، منها 32.100 وحدة في مبانٍ جديدة، بينما خُصص الجزء الآخر لمشاريع ترميم وتوسيع وتعديل المباني القائمة. وشكلت الأبنية متعددة الوحدات (ثلاث وحدات أو أكثر) نسبة 44 في المئة من التصاريح الجديدة، بينما بلغت نسبة الأبنية المخصصة لوحدة أو وحدتين فقط 18 في المئة.

تصدرت فيينا قائمة المناطق الأكثر نشاطًا في البناء الجديد (9.145 وحدة)، تلتها النمسا السفلى (Niederösterreich) بـ5.173 وحدة والنمسا العليا (Oberösterreich) بـ4.812 وحدة. أما في مجال التعديل والترميم، فقد حصلت 19.373 وحدة على تصاريح، منها 7.112 في فيينا وحدها، تليها النمسا العليا بـ3.232 وحدة وشتايرمارك (Steiermark) بـ1.976 وحدة.

اتجاه طويل الأمد نحو التراجع

تشير الإحصاءات إلى أن هذا التراجع ليس وليد اللحظة، بل يمثل منحى مستمرًا منذ عدة سنوات. ففي عام 2014، صدرت تصاريح لبناء حوالي 50.600 وحدة على مستوى البلاد، قبل أن يصل العدد إلى ذروته عام 2017 بنحو 72.500 وحدة. بعد ذلك، بدأ الانخفاض، وبلغ في عام 2023 نحو 35.100 وحدة، وفي 2024 تراجع إلى 32.100 وحدة فقط، أي بانخفاض إجمالي قدره 37 في المئة خلال عقد واحد.

القطاع الخاص يقود مشاريع البناء

بحسب بيانات “Statistik Austria”، فإن القطاع الخاص مسؤول عن الغالبية العظمى من مشاريع البناء. من أصل 16.182 مبنى حصل على تصريح بناء، كان 74 في المئة منها (11.814) مقدّمًا من أفراد. أما القطاع العام فبلغت نسبته 1 في المئة فقط (187 مبنى)، والجمعيات السكنية غير الربحية 4 في المئة (618)، والكيانات القانونية الأخرى 22 في المئة (3.561).

يركز معظم الأفراد على بناء منازل فردية أو ثنائية (Ein- oder Zweifamilienhäuser). في عام 2023، تم إصدار 7.232 تصريحًا لبناء مبانٍ من هذا النوع. ويُلاحظ أن غالبية هذه المشاريع تنفذ ضمن بلديات سكن مقدّمي الطلبات (54 في المئة)، بينما تم تنفيذ 12 في المئة في مناطق سياسية مختلفة و10 في المئة في ولايات مختلفة.

حركة هجرة عمرانية مستمرة من فيينا

ما تزال الهجرة السكنية من فيينا إلى ضواحيها في النمسا السفلى (Niederösterreich) تمثل ظاهرة لافتة. ففي عام 2023، قام أكثر من ثلث سكان فيينا الذين حصلوا على تصاريح بناء بتنفيذ مشاريعهم في النمسا السفلى، خاصة لبناء منازل فردية أو ثنائية. في ذروة هذه الحركة عام 2021، تجاوزت النسبة 50 في المئة. وتبرز هذه الظاهرة بشكل خاص مقارنة بباقي الولايات، حيث توجد نسبة تطابق عالية بين مكان سكن صاحب المشروع وموقع البناء (بين 88 و99 في المئة).

اتجاه نحو السكن المزود بمساحات خارجية

أظهرت البيانات العقارية أن 96 في المئة من الوحدات السكنية المنجزة بين عامي 2023 و2024 تحتوي على حديقة أو شرفة أو تراس أو لوجيا، بمساحة خارجية متوسطة تبلغ 11 مترًا مربعًا.

انتعاش نسبي في الطلب على قروض السكن

رغم تراجع مشاريع البناء، فإن الطلب على قروض السكن بدأ في الارتفاع مجددًا. ووفقًا لبيانات البنك الوطني النمساوي (Oesterreichische Nationalbank – OeNB)، تم في شهري يناير وفبراير من هذا العام منح قروض سكنية بقيمة 1.1 مليار يورو في كل شهر، ما يمثل زيادة بنسبة تفوق 50 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

ويُعزى هذا الانتعاش إلى خفض البنك المركزي الأوروبي (EZB) لسعر الفائدة من 4.0 إلى 2.5 في المئة منذ يونيو/حزيران الماضي، ما جعل القروض أقل تكلفة، إضافة إلى تحسن الدخل الحقيقي. ومع ذلك، لا يتوقع الخبراء عودة سريعة إلى حقبة الفوائد المنخفضة التي سادت حتى عام 2021، حين بلغ متوسط الإقراض الشهري لقروض السكن 2.1 مليار يورو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى