البرلمان النمساوي يحتفل بثلاثة عقود في الاتحاد الأوروبي برسائل فخر ونقد بنّاء

احتفلت النمسا بمرور 30 عامًا على انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في جلسة احتفالية داخل البرلمان شهدت حضورًا شبابيًا ورسائل سياسية متباينة بين الاعتزاز والانتقاد البنّاء.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، احتُفل يوم الجمعة في مقر البرلمان النمساوي بالذكرى الثلاثين لانضمام جمهورية النمسا إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك في إطار فعالية رسمية خاصة بمناسبة يوم أوروبا، حيث اجتمع سياسيون سابقون وحاليون، إلى جانب مجموعة من طلاب المدارس، لتجديد التأكيد على أهمية الاتحاد الأوروبي ووحدة شعوبه.

شارك في هذه المناسبة شباب من ثلاث مدارس مختلفة، حيث أتيحت لهم الفرصة للتفاعل مع رموز سياسية بارزة في قاعة البرلمان، فيما عبّر رئيس المجلس الوطني Walter Rosenkranz (فالتر روزنكرا تس)، عن أهمية هذه المناسبة التي وصفها بأنها أكثر من مجرد لفتة رمزية.

خطاب متوازن من ممثل حزب يوجّه انتقادات متكررة للاتحاد الأوروبي

روزنكرانتس، المنتمي إلى حزب الحرية النمساوي FPÖ المعروف بانتقاداته الشديدة لسياسات الاتحاد الأوروبي سواء في بروكسل أو في فيينا، واجه مهمة دقيقة في كلمته الافتتاحية. وفي مسعاه لتحقيق التوازن، شدّد على أن القيم الأوروبية الأساسية، مثل سيادة القانون والديمقراطية، غير قابلة للتفاوض، مؤكّدًا أن الدفاع عنها يتماشى مع رؤية حزبه لـ”أوروبا الأمم” (Europa der Vaterländer).

وقال روزنكرانتس إن قوة أوروبا الحقيقية تكمن في حفاظها على تنوع شعوبها وثقافاتها، مشيرًا إلى الحاجة لبناء اتحاد أوروبي أكثر مرونة، وأقرب إلى المواطنين، وأكثر ديمقراطية. كما شدد على أن النقد البنّاء ليس تهديدًا للوحدة الأوروبية، بل عنصرًا من عناصر تحسينها، وأضاف قائلًا: “من يسلّط الضوء على التطورات السلبية لا يعمل ضد الاتحاد، بل من أجل اتحاد أفضل”.

مفوض الاتحاد الأوروبي النمساوي يقرّ بالتحديات… ويؤكد على الفرص

من جهته، ألقى مفوض الاتحاد الأوروبي النمساوي Magnus Brunner (ماغنوس برونر) ما يُعرف بـ”خطاب أوروبا”، حيث تحدّث لمدة عشرين دقيقة عن التحديات والفرص التي تواجه الاتحاد. وأقرّ برونر بأن الوضع الأوروبي معقد، مشيرًا إلى أن “أوروبا مهددة من الشرق، وتحتاج لإعادة التفكير في الغرب”.

وأضاف برونر أن الأداء الأوروبي ليس مثاليًا، وقال: “بإمكاننا أن نفعل أشياء كثيرة بشكل أفضل وأسرع”، مشيرًا بذلك إلى جوانب اقتصادية على وجه الخصوص. لكنه في المقابل، شدّد على أن الاتحاد الأوروبي يجب ألا يقلل من شأن نفسه، مستعرضًا بعض إنجازاته مثل إبرام اتفاقيات تجارية مع 76 دولة، ورأى أن هذا دليل على جاذبية أوروبا وقوتها ومصداقيتها في عيون الدول الثالثة.

وأكد برونر أن كل أزمة تحمل في طياتها فرصة، قائلاً: “لا شك أن علينا عدم انتظار حل الأزمات، بل علينا أن نأخذ بزمام المبادرة لحماية أمننا بأنفسنا”.

شهادات تاريخية: مفاوضات الانضمام كادت أن تنهار

في جلسة نقاش ختامية ذات طابع شخصي وعفوي، تقاسم كل من فرانز فرانتزكي (Franz Vranitzky)، المستشار الفيدرالي الأسبق، وBenita Ferrero-Waldner (بينيتا فيريرو-فالدنر)، وزيرة الخارجية السابقة، وBrigitte Ederer (بريغيت إيدرر)، وزيرة الدولة لشؤون الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت، ذكرياتهم حول مفاوضات الانضمام.

روى فرانتزكي أنه خلال زيارته للرئيس الفرنسي الراحل François Mitterrand (فرانسوا ميتران) في باريس أثناء المفاوضات، حذره الأخير بأن بلاده لن تقبل بشروط خاصة بخصوص مرور الشاحنات الثقيلة (Lkw-Verkehr)، قائلاً له: “سويسرا واحدة تكفيني!”. إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، إذ حصلت النمسا في نهاية المطاف على تسهيلات في قضايا النقل العابر.

أما بريغيت إيدرر، فاستذكرت لحظة مؤثرة عندما علم سفير النمسا آنذاك أن السويد – التي كانت تتفاوض بالتوازي مع النمسا – قد أنهت مفاوضاتها أولاً، فانهمرت دموعه. لم يكن معروفًا بعاطفيته، لكنه علّق قائلاً: “السويد أصبحت في الاتحاد الأوروبي – أما النمسا فلن تدخل”.

المناسبة تحمل طابعًا رمزيًا ورسائل سياسية متنوعة

عبّرت الجلسة الاحتفالية عن مزيج من الاعتزاز الوطني بالانتماء الأوروبي، والحرص على النقد الذاتي لتحسين الأداء المؤسسي والسياسي داخل الاتحاد. وقد عكست كلمات المتحدثين – سواء المؤيدين الحماسيين أو المنتقدين البنّاءين – مدى تنوع الرؤى داخل النمسا تجاه المشروع الأوروبي، في وقت تمر فيه أوروبا بتحولات جيوسياسية واقتصادية عميقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى