العراق وسوريا: تعزيز التعاون في محاربة “داعش” وغياب محاسبة المجرمين

مقال لـ أحمد مراد
فيينا – INFOGRAT:
في خطوة غير مفهومة في ظل الأوضاع الراهنة، أعلن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في 15 مارس 2025، عن اتفاقه مع نظيره السوري، أسعد الشيباني، لتعزيز التعاون بين البلدين في محاربة تنظيم “داعش”، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب، ومن الغريب أن تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يمر فيه الشعب السوري بمرحلة انتقالية مع سقوط نظام بشار الأسد، وبدء عهد جديد بقيادة الرئيس أحمد شرع، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول دوافع سوريا في هذه اللحظة التاريخية الدقيقة للذهاب الى العراق.
العراق: مصدر للإرهاب، وليس محاربًا له
يجب أن نتذكر أن العراق كان وما زال مصدرًا رئيسيًا للإرهاب في المنطقة، من خلال ميليشياته المدعومة من إيران، مثل “عصائب أهل الحق” و”منظمة بدر” وغيرها، هذه الميليشيات كانت قد دخلت سوريا منذ بداية الثورة السورية عام 2011، وقاتلت إلى جانب النظام السوري ضد المعارضة، حيث ارتكبت العديد من المجازر بحق المدنيين السوريين وساهمت في تدمير المدن والقرى، وأن هذه الميليشيات ساعدت في تعميق الصراع السوري، لا سيما من خلال تغيير البنية الديموغرافية في بعض المناطق السورية، بما في ذلك تهجير السكان الأصليين، اضافة لوجود العديد من فلول النظام الفار في العراق، ويقال أن من بينهم ماهر الاسد.

اعلامي عربي
مقيم في فيينا
إن التعاون اليوم بين العراق وسوريا في محاربة “داعش” يبدو محيرًا وغير مبرر، خصوصًا أن العراق كان أحد الأطراف التي ساهمت في تصدير الإرهاب إلى سوريا عبر ميليشياته، مما يجعل من الصعب اعتبار العراق شريكًا موثوقًا في مكافحة الإرهاب، بدلًا من تعزيز التعاون مع بغداد في هذه المسألة، كان يجب على الدولة السورية الجديدة أن تبدأ في التفكير في محاسبة العراق على دوره في دعم نظام الأسد والميليشيات التي ساهمت في تعميق معاناة الشعب السوري.
النظام السوري الجديد: زيارة غير موفقة في وقت حساس
إن زيارة أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري، إلى بغداد في هذا التوقيت لم تكن موفقة في ظل التحديات التي يواجهها الشعب السوري في المرحلة الحالية، فالشعب السوري اليوم يمر بمرحلة انتقالية حساسة بعد سقوط نظام الأسد، حيث دخلت سوريا في مرحلة جديدة بقيادة الرئيس أحمد شرع، الذي جاء في سياق سياسي جديد يتسم بآمال كثيرة للإصلاح والعدالة بعد أكثر من عقد من القمع والدمار.
لكن، بدلاً من الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية لبناء علاقات جديدة تقوم على أسس العدالة والمحاسبة، جاءت هذه الزيارة لتثير تساؤلات حول نوايا سوريا في تعزيز علاقاتها مع النظام العراقي المُصنع في طهران، كان من الأفضل للعراق أن يظهر الدعم الثابت لعملية الانتقال السياسي في سوريا، التي تشمل محاسبة جميع الأطراف المتورطة في الفظائع التي ارتكبت بحق الشعب السوري، بما في ذلك العراق نفسه.
العراق والمحاسبة: ضرورة أكثر من أي وقت مضى
إن محاربة “داعش” تتطلب محاسبة جميع الأطراف التي ساهمت في تمدد التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وليس فقط تقديم الدعم للأنظمة التي استمرت في تأجيج الصراعات، فالعراق، الذي أرسل ميليشياته إلى سوريا لتقاتل ضد الشعب السوري ودمر المدن والقرى، يجب أن يتحمل مسؤولية تصدير الإرهاب بدلاً من أن يكون شريكًا في محاربة “داعش”.
بغداد بحاجة إلى اتخاذ خطوات حقيقية لمحاسبة الميليشيات العراقية المتورطة في جرائم الحرب في سوريا، وكذلك التدخلات الإيرانية التي ساهمت في إشعال المزيد من النيران في المنطقة، هذا هو الطريق الصحيح نحو تعزيز الاستقرار في العراق وسوريا في آن واحد، لا أن تكون سوريا الحديثة طرفًا في تعزيز العلاقات مع نظام دموي كان أحد الأسباب الرئيسة لتدهور الوضع في سوريا.
وفي قراءة حول الدول والميليشيات التي شاركت في قتل الشعب السوري إلى جانب نظام بشار الأسد، هذه الأطراف لم تكتفِ بدعم نظام بشار الأسد في قمع الثورة السورية، بل كانت شريكة في ارتكاب العديد من المجازر بحق المدنيين السوريين. فيما يلي قائمة بأبرز الدول والميليشيات التي شاركت في هذه الجرائم:
- إيران: لعبت إيران دورًا حاسمًا في دعم نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية، حيث قدمت دعمًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا، وأرسلت مستشارين عسكريين ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني المعبّأين طائفيًا ضد أهل السنة. وارتكبت إيران مجازر مروعة راح ضحيتها الآلاف من السوريين في عموم البلاد، خاصة في المناطق التي كانت تشهد انتفاضات ضد النظام.
- روسيا: تدخلت روسيا بشكل مباشر في النزاع السوري منذ عام 2015، حيث قدمت دعمًا جويًا وبحريًا لنظام الأسد، وساهمت في منع سقوط النظام بعد وصول قوات المعارضة إلى العاصمة دمشق. كما لعبت دورًا سياسيًا هامًا عبر استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لحماية النظام السوري من القرارات الدولية. وفي الوقت ذاته، كانت روسيا مسؤولة عن القصف الوحشي على قرى وبلدات إدلب، الذي خلف عددًا هائلًا من الضحايا.
- حزب الله اللبناني: حزب الله اللبناني هو أحد أبرز الميليشيات التي قاتلت إلى جانب قوات النظام السوري، حيث شارك في مئات المعارك وارتكب العديد من المجازر ضد المدنيين، خاصة ضد المكون السني. من أبرز المجازر التي ارتكبها الحزب مجزرة الحولة في 2012، حيث تم ذبح أطفال بدم بارد أمام الكاميرات.
- الميليشيات العراقية: على رأس هذه الميليشيات تأتي ميليشيات مثل “عصائب أهل الحق”، “منظمة بدر”، و”لواء أبو الفضل العباس”، التي أرسلت مقاتلين لدعم النظام السوري. هذه الميليشيات لم تقتصر على القتال ضد المعارضة السورية فحسب، بل ساهمت أيضًا في تهجير السكان وتغيير التركيبة الديموغرافية للعديد من المدن والقرى السورية.
- الميليشيات الأفغانية والباكستانية: مثل “لواء فاطميون” و”لواء زينبيون”، التي تدعمها إيران وتقاتل إلى جانب قوات الأسد. هذه الميليشيات ارتكبت العديد من المجازر المروعة ضد السوريين، خاصة ضد المدنيين من المكون السني. العديد من هذه الجرائم تم توثيقها في الأرشيف السوري، وتفاخر مرتكبوها بتوثيق تلك الفظائع.
- كوريا الشمالية: على الرغم من أن مشاركتها لم تكن مباشرة على الأرض، إلا أن التقارير الإخبارية والاستقصائية أفادت بأنها أرسلت مستشارين عسكريين وأمدت النظام السوري بدعم لوجستي وخبرات فنية ساعدت في تدمير العديد من القرى والمدن السورية.
- فنزويلا: قدمت فنزويلا دعمًا سياسيًا واقتصاديًا إلى جانب المساعدات العسكرية لنظام الأسد، مما ساعد في تقوية النظام ودعمه في مواجهة المعارضة.
- الميليشيات الفلسطينية: مثل “جيش التحرير الفلسطيني” و”لواء القدس”، وقوات أحمد جبريل، التي شاركت في القتال إلى جانب قوات النظام، ارتكبت العديد من المجازر بحق الفلسطينيين أنفسهم، خاصة في المخيمات الفلسطينية مثل مخيم اليرموك في دمشق.
- الجزائر: وفقًا لتقارير دولية، أرسلت الجزائر أكثر من 500 مقاتل، بينهم رتب رفيعة، لدعم قوات النظام السوري في قتالها ضد المعارضة. كما دعمت الجزائر النظام في المحافل السياسية، بما في ذلك دعوة مجلس جامعة الدول العربية لإعادة سوريا إلى مقعدها.
الحصيلة المروعة للعدوان
تسبب هذا التدخل العسكري الواسع من قبل العديد من الدول والميليشيات في مقتل أكثر من مليون سوري، وتشريد أكثر من 7 ملايين شخص داخليًا، منهم 2.5 مليون طفل ومليون امرأة. بالإضافة إلى ذلك، اضطر أكثر من 6 ملايين سوري إلى اللجوء إلى دول الجوار ودول أوروبية. ما زال عدد المعتقلين في السجون غير دقيق، حيث خرج فقط 6% من المعتقلين بعد تحرير السجون، في حين تم تسجيل أكثر من 450 ألف حالة اعتقال انتهت غالبًا بالموت تحت التعذيب.
وقد تركت الحرب آثارًا مدمرة على البنية التحتية في سوريا، حيث بلغ دمار القرى والبلدات حوالي 20-25% دمارًا كليًا، و30-35% دمارًا بالغًا، بينما تقدر نسبة الدمار في البنية التحتية بحوالي 70%. أكثر من 89% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر.
إعادة الإعمار: تكلفة باهظة
تقدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بحوالي 400 مليار دولار فقط لإعادة بناء البنية التحتية، دون احتساب مشاريع جديدة. هذه الأرقام تلخص حجم المأساة التي يعيشها الشعب السوري بسبب الحرب المستمرة والدمار الذي ألحقته به التدخلات الأجنبية.
إن الشعب السوري قد دفع ثمناً باهظًا من أجل الحرية، وما زال يدفع ثمن طغيان النظام وعملائه. إن هذا التدمير الشامل الذي طال البشر والحجر في سوريا يجب أن يكون عبرة للعالم بأسره في ضرورة محاسبة جميع الأطراف المتورطة في هذه الجرائم ضد الإنسانية.
وفي الختام تعد خطوة تعزيز التعاون بين العراق وسوريا في محاربة “داعش” في هذه المرحلة بمثابة فخ سياسي يساهم في تعزيز الأنظمة القمعية والإرهابية بدلاً من مواجهتها، على العراق أن يتحمل مسؤولية أفعاله في دعم نظام الأسد وميليشياته، ويجب أن تكون الأولوية هي محاكمة هذه الميليشيات بدلاً من منحها شرعية جديدة في محاربة الإرهاب، إن ما يعيشه الشعب السوري اليوم يتطلب موقفًا دوليًا حازمًا لمحاسبة كل من ساهم في هذه المعاناة، بما في ذلك العراق ولبنان وايران وروسيا الذي يجب أن يتحملوا عواقب أفعالهم بدلاً من يعزز النظام السوري الجديد العلاقات معهم.