هل تنجح المعارضة السورية في تجاوز إرثها وبناء دولة تلبي طموحات الشعب؟

بعد سنوات من الاستبداد تحت حكم النظام السابق واستمرار أزمة دموية استنزفت البلاد، وصلت المعارضة السورية أخيرًا إلى سدة الحكم. هذه اللحظة التي كان يحلم بها الملايين أصبحت واقعًا، لكنها ليست خالية من التحديات.

رغم احتفاء الشعب بتغيير النظام، ظهرت بسرعة تساؤلات حول قدرة المعارضة على تحقيق التغيير المنشود. يعود هذا إلى عمق الانقسامات داخلها، إضافة إلى بروز شخصيات تحمل إرثًا غامضًا وعلاقات مع النظام السابق، مما يهدد بإعادة إنتاج الأزمات بدلًا من تجاوزها.

وسيم محمد مطاوع
سوري مقيم في فيينا

انتقال المعارضة إلى الحكم وضعها أمام امتحان واقعي ومصيري، بعيدًا عن شعارات الثورة والخطابات العاطفية، الشعب السوري، الذي دفع أثمانًا باهظة من أجل التغيير، لم يعد يقبل بالأعذار أو التهاون في بناء دولة جديدة تحقق العدالة والحرية والمساواة.

لكن مع بداية تشكيل الحكومة الانتقالية، برزت معضلة كبرى: وجود شخصيات في مراكز القرار كانت تحمل سابقًا أجندات مزدوجة أو علاقات مع النظام القديم. هذه الشخصيات، التي تمكنت من التسلل إلى صفوف المعارضة خلال سنوات الثورة، أصبحت اليوم عائقًا أمام تحقيق التحول الجذري الذي ينشده السوريون.

لا يمكن إنكار أن المعارضة خلال سنواتها السابقة تعرضت لاختراقات كبيرة. بعض الشخصيات التي برزت كمعارضين للنظام كانت، في الواقع، تنفذ أجندات خفية أو تحتفظ بروابط غير معلنة مع النظام السابق.

اليوم، وبعد وصول المعارضة إلى الحكم، أصبح لهذه الشخصيات نفوذ كبير داخل المؤسسات الجديدة، مما يعيد إنتاج نفس السياسات القديمة التي كانت سببًا في الثورة. على سبيل المثال:

  • إعلام قديم بأسماء جديدة: شخصيات إعلامية خرجت من رحم النظام السابق استطاعت احتلال مواقع مؤثرة في المشهد الإعلامي الجديد، مستخدمة أساليب التلاعب ذاتها التي كانت تخدم النظام السابق.
  • تحالفات اقتصادية مشبوهة: تم الكشف عن أن بعض القيادات الجديدة تحتفظ بشراكات مع رجال أعمال كانوا جزءًا من دائرة النظام السابقة، مما يعيد إنتاج الفساد الاقتصادي بدلًا من القضاء عليه.

من أبرز أدوات النظام السابق كانت وزارة الإعلام ووزارة العدل، حيث لعبتا دورًا محوريًا في تثبيت أركان الاستبداد وقمع الشعب.

وزارة الإعلام: كانت ذراعًا دعائية للنظام، تروج لرواياته وتشوه الحقائق. اليوم، يجب أن تخضع هذه الوزارة لإعادة هيكلة جذرية تشمل تطهيرها من الشخصيات المرتبطة بالنظام السابق وإنشاء إعلام مستقل ينقل صوت الشعب بحرية وشفافية.

وزارة العدل: كانت أداة للقمع بدلًا من العدالة، حيث استُخدمت لتصفية المعارضين وحماية المفسدين. إعادة هيكلة هذه الوزارة ضرورة لبناء قضاء مستقل ونزيه يضمن محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، سواء كانوا من النظام السابق أو من المعارضة.

في ظل هذه التحديات، بات من الواضح أن الثورة لم تكتمل بعد. التغيير السياسي الحقيقي يتطلب قرارات جريئة وعملية تطهير شامل داخل مؤسسات الدولة الجديدة. من بين هذه الخطوات:

  1. إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية: تعمل على محاسبة جميع الشخصيات التي كانت لها صلات بالنظام السابق أو ساهمت في انتهاك حقوق الشعب، بغض النظر عن موقعها الحالي.
  2. تعزيز الشفافية: يجب أن تكون جميع مراكز القرار مفتوحة أمام الرقابة الشعبية والإعلام الحر.
  3. إعادة هيكلة الوزارات السيادية:
    • وزارة الإعلام: يجب أن تتحول من أداة تضليل إلى منصة للحرية.
    • وزارة العدل: يجب أن تطهر من القضاة والمسؤولين الفاسدين لضمان استقلال القضاء.

وجود المعارضة في الحكم ليس إنجازًا بحد ذاته. الإنجاز الحقيقي يكمن في قدرتها على كسب ثقة الشعب. السوريون الذين دفعوا الثمن الأكبر في هذه الأزمة لن يقبلوا بأي تسويات تعيد إنتاج النظام القديم بوجوه مختلفة. لذلك، فإن بناء دولة جديدة يتطلب الاعتماد على قيادات شابة ونزيهة، لم تتلوث بالتحالفات المشبوهة أو المصالح الشخصية. يجب أن تكون الحكومة الجديدة قائمة على الكفاءة وتقصي الولاءات الضيقة.

إن تجربة المعارضة في الحكم اليوم ليست مجرد اختبار لها، بل عبرة للأجيال القادمة. إذا لم تتمكن المعارضة من تطهير صفوفها وبناء نظام جديد قائم على العدالة والشفافية، فإن الشعب السوري سيجد نفسه أمام دورة جديدة من الاستبداد.

إن وصول المعارضة إلى الحكم يمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية. لكن هذه الفرصة مهددة ما لم يتم التعامل مع الأخطاء السابقة بحزم وشفافية.

ويبقى السؤال: هل تستطيع المعارضة السورية التخلص من إرثها المعقد وبناء دولة تحقق طموحات الشعب، أم أن أشباح الماضي ستبقى تطاردها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى