الثورة السورية في الذكرى الرابعة عشرة.. انتصار الإرادة واحتفالات الشعب

أربعة عشر عامًا مضت منذ أن أطلقت درعا شرارة الثورة السورية في الثامن عشر من آذار 2011، حين خط الأطفال على الجدران كلمات ستغير مجرى التاريخ: “إجاك الدور يا دكتور”. فكانت تلك الأحرف البسيطة كافية ليرتجف الطاغية وزبانيته ويسقط قناع الخوف الذي ظن أنه سيدوم للأبد. صدحت الحناجر لأول مرة بهتاف “حرية”، فاهتزت أركان الاستبداد وسقطت هيبته أمام إرادة شعب كسر جدار الصمت وانتفض طلبًا للخلاص من عقود من القمع والظلم. واليوم، في الذكرى الرابعة عشرة، تحتفل سوريا الحرة بهذه اللحظة التاريخية ليس فقط كنقطة انطلاق، بل كحقيقة راسخة. فقد انتصرت الثورة وسقط النظام وهرب الطاغية مذعورًا، تاركًا خلفه بلدًا يستعد لاستعادة مكانته بين الأمم.

وسيم محمد مطاوع
سوري مقيم في فيينا

لم يكن الطريق سهلاً، بل كان ملحميًا. قوافل الشهداء، مئات الآلاف من المعتقلين، ملايين المهجرين، مدن دُمرت وجرائم لا توصف. لكن وسط كل هذا، بقيت إرادة السوريين صلبة. لم تهزمها براميل الموت ولا مجازر الكيماوي ولا الاحتلالات المتعددة. اليوم، سوريا مختلفة، لم تعد دولة مرتهنة لعصابة طائفية تحتمي بالقوة، بل أصبحت مهدًا لمشروع وطني حقيقي يستند إلى تضحيات أبطالها الذين رفضوا الذل ودفعوا ثمنًا غاليًا ليكون هذا اليوم يوم النصر، يوم الخلاص، يوم الحرية التي كتب لها أن تنتصر ولو بعد حين.

ها هو المشهد اليوم في كل مدينة سورية محررة من إدلب إلى درع الفرات، ومن الجنوب إلى الشمال. ترفرف رايات الثورة وتصدح مكبرات الصوت بالنشيد الذي لطالما كان حلمًا، لكنه اليوم واقع. حان الموعد لنعيش أحرارًا. حان الوقت لتشرق شمس الحرية في دول الشتات. اجتمع السوريون ليحتفلوا بسقوط النظام. مشهد طال انتظاره، لكنه أتى أخيرًا. النظام تفكك، الطاغية هرب، الميليشيات التي جلبها لحمايته تحولت إلى مرتزقة تبحث عن ملاذ. حاشيته تتساقط كأحجار الدومينو، بينما العالم كله يعترف: الأسد انتهى وسوريا تعود لأبنائها.

اليوم، السوريون لا يبكون شهداءهم فقط، بل يحتفلون بهم. فهم الذين كتبوا بدمائهم هذا الفصل العظيم. هم الذين صمدوا في السجون حتى تحطمت قضبان الظلم. هم الذين واجهوا الدبابات بصدر عارٍ وانتصروا. الشوارع اليوم تمتلئ بالفرح لا بالدموع، بالاحتفالات لا بالحداد. فالنصر أتى وسوريا تستعيد وجهها الحقيقي. سوريا الحرة التي صنعها أبناؤها ببطولة وصبر. سوريا التي لم تعد خاضعة لحكم عصابة، بل أصبحت ملكًا لشعبها الحر.

من كان يظن أن هذه الثورة ستنطفئ؟ من كان يعتقد أن القمع والوحشية سيكسران إرادة السوريين؟ اليوم، الجميع يرى الحقيقة: إرادة الشعوب لا تهزم، والاستبداد مهما طال عمره مصيره الزوال. الطاغية الذي كان يظن نفسه خالدًا أصبح مطاردًا، تلاحقه لعنات الشهداء وصرخات المعتقلين. يبحث عن مأوى، لكن لا مكان له. فقد لفظته الأرض التي سام أهلها سوء العذاب، وانتهى به المطاف كما انتهى كل الطغاة: مهزومًا هاربًا، يلاحقه الخزي إلى الأبد.

اليوم هو يوم سوريا الحرة، يوم الانتصار، يوم التأكيد أن الدماء التي سفكت لم تذهب هدرًا، بل رسمت خارطة جديدة لمستقبل مشرق. إنها لحظة الفرح الحقيقي، لحظة الوفاء للعهد الذي قطعه السوريون قبل أربعة عشر عامًا. لحظة القول للعالم كله: لقد انتصرنا، وسوريا لنا، وستبقى حرة أبد الدهر. وستبقى درعا شرارة الثورة، وسيبقى تاريخ 18/3/2011 تاريخ انطلاق الثورة مهما حاولوا أن يغيروه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى